Page 38 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 38

‫العـدد ‪١٩‬‬   ‫‪38‬‬

                                                    ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

‫كريم رضي‬

‫(البحرين)‬

‫إشارات ميثولوجية‪ ..‬في قصيدة‬
‫«صع ٌب أن أرى» لعلوي الهاشمي‬

‫جدل الرؤية‪ /‬الرؤيا‬

‫يتناول هذا البح ُث ما يمكن وصف ُه بالإشارات الميثولوجية المتناثرة في‬
‫قصيدة «صع ٌب أن أرى» للشاعر علوي الهاشمي‪ ،‬التي وإن كانت قد لا‬
‫تشك ُل ُك ًّل مترا ًّصا يجع ُل القصيد َة ملحمة ميثولوجية كما قد يعتق ُد معتق ٌد‪،‬‬
‫إلا أن هناك إشارات لا تخطئها عين القراءة الفاحصة ا ِّتكا ًء بالخصوص‬
‫على مركزية (الرؤية) في ملحمة جلجامش‪ ،‬التي تبدأ بهذا الجواب المبين‬
‫الذي يختصر كل الملحمة في تس ِع كلما ٍت استهلالية‪ ،‬ثم تصبح هي‬
‫بدورها تذيي ًل لكل لو ٍح من ألواح الملحمة الاثني عشر‪.‬‬

 ‫فسيأتي عاملون آخرون رهيبون ليبدأوا العمل من‬        ‫اقتباس من الشاعر آرثر رامبو‪« :‬يجعل الشاعر‬
                ‫حيث سقط أولهم في هذه الآفاق»‪.‬‬
                                                    ‫من نفسه رائيًا ‪ Visionary‬عبر التشويش والفوضى‬
   ‫في الاقتباس أعلاه من آرثر رامبو عن الشاعر‬            ‫الطويلة اللامحدودة والمنهجية في الوقت نفسه‬
  ‫بوصفه رائيًا‪ ،‬فإن هذه الرؤية ليست هي الإبصار‬          ‫لجميع الحواس‪ .‬إنه يبحث عن نفسه عبر جميع‬
   ‫بل هي البصيرة‪ ،‬كما هو جوهر كل تفكير خ َّلق‪،‬‬
                                                     ‫أشكال الحب والمعاناة والجنون وبالأحرى يستنفد‬
    ‫وليس من عج ٍب أن آرثر رامبو يرى هذه الرؤية‬          ‫‪-‬حتى لا أقول يستهلك‪ -‬في نفسه كل السموم‪،‬‬
    ‫ليس عبر النظر الخطي المنظم بوصفه ممارسة‬
    ‫بصرية‪ ،‬بل ولا التأمل والتدبر كما قد يتبادر لنا‬   ‫ويحافظ على جوهرها القاتل‪ ،‬حيث العذاب الذي لا‬
‫للوهلة الأولى‪ ،‬على العكس من ذلك تما ًما يرى آرثر‬     ‫يوصف‪ ،‬وحيث سيحتاج معه إلى إيمان عظيم‪ ،‬إلى‬
  ‫رامبو أن هذه الرؤية تتحقق عبر فوضى العناصر‬        ‫قوة خارقة‪ .‬يصبح الشاعر عندها الجميع في واحد‪،‬‬
    ‫والتشويش ‪ Disorganizing‬الذي يضع الشاعر‬          ‫فهو عديم الجدوى العظيم‪ ،‬المجرم العظيم‪ ،‬الملعون‬
     ‫نفسه عبره ليصبح (رائيًا)‪ ،‬ويصف رامبو هذا‬
   ‫الوضع بأنه طويل ومنهجي ‪ systematized‬فهو‬             ‫العظيم‪ ،‬والعالِم العظيم‪ .‬إنه يبلغ حدود المجهول‬
‫إذن ليس مصادفة ولا قفزة آنية ولا وض ًعا عشوائيًّا‬   ‫لأن ُه زرع روحه الغنية أص ًل‪ ،‬أكثر من أي أحد آخر‪.‬‬

          ‫كما يحدث لمن هو مصاب بالذهان مث ًل‪.‬‬            ‫إنه يبلغ المجهول‪ ،‬وإذا ما فق َد أخي ًرا وفق َد فه َم‬
     ‫إنه خل ٌط «مقصود» إذا صح التعبير‪ ،‬وهو ما‬       ‫رؤاه‪ ،‬فإنه سيكون على الأقل قد شاهدها‪ .‬ولذا فإنه‬

                                                      ‫إذا ما تم تدمير ُه في رحلته النشطة عبر ما لا عي ٌن‬
                                                     ‫رأ ْت ولا أذ ٌن سمع ْت ولا أمكن تسميته من الأشياء‪،‬‬
   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43