Page 35 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 35

‫‪35‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

               ‫تعقيب على هذه المراحل‪:‬‬                                      ‫‪ )3‬مرحلة التقويم‪:‬‬

 ‫‪ -1‬عدم اتساق هذه المراحل‪ ،‬لدى الكثرة الكاثرة‬        ‫وهي مرحلة تثمين وطريقة منهجية ونتاج طبيعي‬
                                                     ‫لكافة المراحل السابقة‪ ،‬من خلالها يستطيع المؤول‬
   ‫من الباحثين؛ فالمرحلة الأولى عند طائفة بمعنى‬
 ‫الوصف أو التوصيف(‪ )11‬بينما يقابلها عند ملأ ثان‪:‬‬         ‫معرفة‪ :‬أين يقف وحقيقة ما سبق وإلي أي مدي‬
                                                          ‫حققت هاتيك المراحل الثمرة المرجوة والفائدة‬
    ‫(مرحلة ما قبل الفهم)(‪ ،)12‬وعند ثالث‪( :‬الأحكام‬       ‫المبتغاة؛ عسى أن يتم توجيه النصوص وجهتها‬
                                   ‫المسبقة)(‪.)13‬‬       ‫الملائمة‪ ،‬ومن ث َّم فهي مرحلة تهذيب وصقل‪ ،‬إنها‬
                                                     ‫رداء تشتمل في أعطافه وأكنافه مقدار ما أسهمت به‬
     ‫‪ -2‬ما ذهب إليه د‪.‬جميل حمداوي‪ ،‬أن أولى‬           ‫كل مرحلة على حدة وما يجب أن تكون عليه‪ ،‬ولماذا‬
‫المراحل لدى بول ريكور‪( :‬مرحلة ما قبل الفهم(‪،)14‬‬       ‫أتت بهذا الإطار وما نصيبها وقسمتها في التَّأويل؟‬
‫وعلى نقيض ذلك تما ًما نجده عند د‪.‬عائشة عويسات‬          ‫وهل لا ب َّد أن يحوي التَّأويل هذه المراحل‪ ،‬أم كان‬
                                                        ‫يجب اختصارها وتركيزها في أقل من ذلك؟ وما‬
     ‫كما تزعم أن أولى المراحل لدى ريكو‪( :‬مرحلة‬        ‫مقدار المنهجية في ك ٍّل؟ وهل تموضعت كل مرحلة‬
 ‫الفهم)(‪ )15‬والمتف ِّطن اليقظ‪ ،‬يجدها كما قال د‪.‬جميل‬     ‫في وضعها المتاح لها‪ ،‬المصرح به؟ أم اختل هذا‬
                                                         ‫النسق واضطرب‪ ،‬وزايله التنضيد؟ ث َّم إننا يجب‬
   ‫حمداوي‪ ،‬وليس كما ذهبت د‪.‬عائشة‪ ،‬مما يداخل‬             ‫وضع الأسس والقواعد التي من شأنها تصيَّرها‬

‫القارئ العادي البسيط شيء من الشك والاضطراب؛‬                                 ‫ناهضة ناجزة تؤتي أكلها‪.‬‬
                                                           ‫فهذه المرحلة تتولَّى الدفاع عمن يشكك في‬
                                 ‫لتخ ُّبط الباحثين‪.‬‬  ‫تناسق النظرية التَّأويليَّة‪ ،‬وتناسب أجزائها «فالبعض‬
 ‫‪ -3‬لا ب َّد مما‪ ،‬ليس منه بد‪ ،‬الركون إلى المصدر‬       ‫يشكك في سيرورة العملية التَّأويليَّة‪ ،‬وفي نتائجها؛‬
                                                      ‫على اعتبار أن التَّأويل‪ ،‬ما هو إلا إعادة كتابة النص‬
                        ‫الأساسي؛ لاستقاء الفكر‪.‬‬           ‫من قبل المؤول‪ ،‬وأنه يخلو من وثوقية الإجراء‬
                                                      ‫العلمي‪ ،‬ويتحلل من ثنائية‪ :‬الذات‪ /‬الموضوع‪ ،‬التي‬
  ‫‪ -4‬المرحلة الأخيرة لدى ريكور تزعم د‪.‬عائشة‬             ‫تطبع تحصيل المعرفة الحقه؛ لكي يبقي ممارسة‬
                                                       ‫فنية تخضع للمهارات الشخصية‪ ،‬وليس ممارسة‬
  ‫عويسات‪ ،‬أنها المسماة بـ‪( :‬إعادة التصور)‪ ،‬بينما‬
    ‫لدي د‪.‬جميل حمداوي‪( :‬مرحلة الفهم)(‪ ،)16‬ولقد‬                                    ‫تحليلية ممنهجة»(‪.)9‬‬
      ‫جانب د‪.‬عائشة الصواب فيما ذهبت إليه‪ ،‬وإن‬            ‫والواقع الَّذي لا مراء فيه أن الانتقاد السابق‪،‬‬
                                                         ‫جانبه الصواب وخالطه الهوى؛ إذ يجعل العملية‬
     ‫كان الأكثر نجاعة لدي أن تس َّمى هذه المرحلة‬       ‫التَّأويليَّة خبط عشواء ويأخذ على العملية التَّأويليَّة‬
  ‫بـ‪( :‬مرحلة الفهم والتَّأويل)‪ ،‬ولقد ارتأى د‪.‬جميل‬      ‫أنها تتحلل من ثنائية‪ :‬الذات‪ /‬الموضوع‪ ،‬وفاته أن‬
 ‫حمداوى أن ثالثة المراحل لدي جادامير‪( :‬التطبيق)‬       ‫هذا التحليل أساس للعملية التَّأويليَّة وأنه جوهرها؛‬
                                                     ‫إذ لا بد للمؤول حين قراءته هذه الصحائف النقاشة‬
  ‫تقابل وتوازي ثالثة المراحل لدى ريكور‪( :‬الفهم)‬          ‫من أن يتخلي عن ذاته العادية‪ ،‬وكذا عن المعني‬
                                                          ‫المعلن في الموضوع الماثل أمامه وأن يتقمص‬
    ‫وهذا قول مردود عليه؛ إذ إن مراحل جادامير لا‬         ‫الذات المؤولة‪ :‬تلك الذات‪ ،‬التي تذوب مع المعني‬
                                                          ‫المدرك في النص من خلالها‪ ،‬لا من خلال ذات‬
   ‫تتوافق مع ريكور‪ ،‬فأولى المراحل لدي جادامير‬           ‫بسيطة‪ ،‬لا تدرك كنه النص‪ ،‬بل ليس لهذه «الذات‬
                                                      ‫وزن يذكر إلا بمقدار ما يتكشف من خلالها‪ ،‬معني‬
     ‫هى‪( :‬الفهم)‪ ،‬بينما أولاها لدى ريكور (ما قبل‬
    ‫الفهم)‪ ،‬ومن الغريب ح ًّقا أن كل ما يندرج تحت‬                                         ‫الوجود»(‪.)10‬‬

    ‫هذه المرحلة مضمو ًنا‪ ،‬يتفق مع مرحلة ريكور‪،‬‬
   ‫وكان من الأحرى به أن يسمها بمرحلة‪( :‬ما قبل‬

    ‫الفهم) أو (الأحكام المسبقة) فهو يعني بالفهم‪،‬‬

  ‫كل الأحكام المسبقة التي توجد في وعي المؤول‪،‬‬
    ‫وهو بصدد مواجهة النص لمعالجته(‪ ،)17‬والفهم‬

  ‫لديه أي ًضا لا يمثل «فعل ذاتية الفرد بل هو وضع‬
   ‫المرء لنفسه داخل سيرورة التراث‪ ،‬التي ينصهر‬

 ‫فيها الماضي بالحاضر باستمرار ويحوي العناصر‬

  ‫التي تربطنا بالتراث‪ ،‬مثل الفهم المسبق والتصور‬

 ‫المسبق للكمال والعلاقة بالحقيقة»‪ ،‬وكذلك التَّأويل‬
  ‫لديه يقابل التفسير لدى‪( :‬ريكور)؛ إذ المعنى‪ ،‬هو‬
   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40