Page 28 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 28
العـدد ١٩ 28
يوليو ٢٠٢٠
التي ترسمها الأمواج على رمال
شاطئ البحر ،أي أنها يمكن ان
تو ّجه بعض العمليات الكيميائية
والفيزيائية»( ،)27ولا غرو أن يدفع
التفكير في المسبِّبات والموجبات
والقوى والموجهات العقل إلى
الإمساك بخيط المعرفة ،بعي ًدا عن
التلفيق والفوضى ،كما أن المزج
بين العلم والدين -وليس التفريق
بينهما -هو الذي يوصل إما إلى
اليقين وإما إلى الإلحاد وإما إلى
التش ُّدد الذي يعني التفكير الجامد، فردريش نيتشه كارل ماركس إميل دوركهايم
الذي يخلط بين النتائج والمسبِّبات.
ويتوصل عمرو شريف إلى عين ما توصل إليه
اليوم ودراسات اللاوعي الجمعي إلى إعادة إنتاج
الفارابي وهو أن جوهر الإنسان الروح وليس الجسد،
كل ما هو مقدس ودنيوي على الشاكلة التي قام بها
وحقيقة الإنسان هي في روحه لأنها خالدة ،بينما
يكون جسده فانيًا وزائ ًل ،وقد قال تعالى «ويسألونك نقاد الأدب وفلاسفة الفكر مثل دوركهايم وشتراوس
عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم وفوكو وهابرماس ولنكولن وريكور .وقد مثّل
إلا قليلا)( .)28وإذا كان الجسد نهائيًّا؛ فإن الروح لا د.عمرو شريف برحلة حي بن يقظان ،كي يقارن «بين
متناهية»(.)29
ما توصل إليه العقل المنزه عن الهوى وبين ما أتى به
ولهذا تجاوز العلم مسألة فناء الإنسان بموت الوحي السماوي»( .)24يقول د.عمرو شريف« :اهتدى
الجسد ،تما ًما كما تجاوز فكرة أن الأرض مستوية، حي بن يقظان بفطرته وعقله إلى وجود الله ،وأنه
وجميع أفعال الإنسان كالكلام والحركة تنطلق في خالق الكون وأنه تتو َّجب له عق ًل كل صفات الكمال.
وتعلَّم كيف يتقرب إلى الله تعالى .ثم يجد حي ذلك
الفضاء على هيئة موجات كهرومغناطيسية(.)30 مطاب ًقا للدين الذي به جاء الرسول صلى الله عليه
وسلم ،فتطابق عنده المعقول والمنقول ،واجتمع عنده وجوهر الإنسان عقله ووعيه .والعقل غير المخ،
والوعي هو القدرة على استعمال العقل الذي يشعره
الوحيان :وحي العقل ووحي السماء ،وبذلك اكتملت
أنه حي ،ولهذا اهتم الغربيون بدراسة فلسفة العقل
رحلة حي إلى الله وأيقن بالرسالات وما تطرحه من
جنبًا إلى جنب علم الأديان .والعقل ليس شيئًا
ماد ًّيا موجو ًدا قائ ًما بذاته؛ لكنه نشاط روحي ،وأن غيبيات كالبعث والحساب والجزاء»(.)25
الدراسات العلمية الحديثة أظهرت أن إدراك الإنسان والرحلة التي كتبها ابن طفيل تؤكد لنا قدرة العقل
على إدراك الفضائل ،وتجعله يفكر في أصل الأشياء،
يمتد حتى بعد أن يتوقف الدماغ عن العمل ،والدليل
هو خبرات الذين اقتربوا من الموت. عل ًما أن العقل الإنساني يتدرج «في سلم المعرفة
من المحسوسات الجزئية حولنا إلى الأفكار الكلية،
واستعمل د .شوارتز في كتابه (الأدلة العلمية
على الحياة بعد الموت) نظريته عن الذات الإنسانية كأن يدرك العقل من خلال مواقف متع ِّددة تقابلنا في
الحياة»( ،)26وما الوحي والعقل والعلم والفطرة إلا
والباراسايكولوجي ،كي يؤكد أسبقية العقل على
تمثيلات على رحلة الإيمان بين العقل والمادة بغية
الماديات ،لهذا نحن نرى في المنام حل ًما ثم نشاهده
كحقيقة ميتافيزيقيًّا فنتعجب .وهذا ما أكده اكتشاف فهم قضايا الألوهية ومنظومة الأخلاق ،و«أقصى ما
طرحه العلم ويقبله العقل هو أن الفوضى الخلاقة
تشكيل )31(DNAوهي مورفوجينات تحتوي على يمكن أن تنتج انتظا ًما مثل تراص الذرات وجزئيات
المعلومات الكيمائية التي تصنع الخلية والصفات
بعض المواد على هيأة بلورات ،أو الخطوط المنتظمة