Page 145 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 145

‫تجديد الخطاب ‪1 4 5‬‬

‫لأحضان الكيان الرجعي‪ .‬ويكاد ما‬         ‫وتغيير الخريطة الديموجرافية في‬        ‫فيه بغداد عاصمة الكيان الرجعي‬
  ‫ُسقناه بشأن الحضارة المنسوبة‬         ‫أوروبا بالهجرة والتكاثر وسائر ما‬       ‫في حينها‪ ،‬وهجمات الهكسوس‬

      ‫للدين في الكيان الرجعي أن‬          ‫تتميز به العقلية الرجعية‪ ،‬فيمكن‬    ‫على مصر‪ ،‬والفايكنج على جنوب‬
‫ينطبق على الأسطورة الأولى التي‬           ‫اعتباره مؤامرة ضد الغرب‪ ،‬وإن‬         ‫أوروبا وقبائل الصحراء العربية‬
                                       ‫تكن مميزة بالعشوائية والاشتعال‬       ‫أنفسهم على الحضارات المستقرة‬
   ‫تنسب للرجعية الدينية كل خير‬
   ‫وتنفي عنها كل شر في التاريخ‬             ‫العاطفي وغير ذلك من سمات‬                      ‫حولهم باسم الدين‪.‬‬
                                       ‫رجعية‪ ،‬بهذا نستطيع فهم التصور‬         ‫ويكاد يشارك كافة َح َم َلة العقل‬
     ‫والجغرافيا وحساب المثلثات‪.‬‬                                            ‫الرجعي فيما يسمى بجهاد الأرحام‪،‬‬
‫وربما ينبغي علينا التأكيد أننا لسنا‬       ‫الرجعي في التآمر الغربي علينا‬
                                        ‫كنوع من الإسقاط‪ ،‬حيث يظهر ما‬              ‫يعني التكاثر لتغيير التكوين‬
    ‫معنيين في مصر بـ«الأندلس»‬            ‫يتمناه العقل الرجعي ضد الغرب‬            ‫السكاني في أوروبا العبيطة‪،‬‬
‫لولا ما يفرضه العقل الرجعي على‬         ‫بشكل معكوس فيما يتوهمه العقل‬             ‫والانفصال عن التطور العقلي‬
                                       ‫نفسه من مؤامرة مدبرة من الغرب‬        ‫الأوروبي وعدائه بما يمكن اعتباره‬
  ‫الواقع من اعتبار مصر جز ًءا من‬                                           ‫تحقي ًقا معاص ًرا لمقولة ابن خلدون‪:‬‬
                 ‫الكيان الرجعي‪.‬‬                          ‫لهدم الإسلام‪.‬‬         ‫إن العرب إذا تغلَّبوا على أوطان‬
                                            ‫هذا ويغيب عن َح َم َلة العقل‬      ‫أسرع إليها الخراب‪ .‬ويمكن فهم‬
 ‫تقوم أسطورة التسامح الديني‬             ‫الرجعي أن هدم الحضارة الغربية‬       ‫كلمة العرب هنا بمعنى َح َم َلة العقل‬
  ‫داخل الكيان الرجعي عمو ًما على‬         ‫لا يعني بالضرورة تفوق الكيان‬        ‫الرجعي‪ .‬ويلوح أن المهاجرين قد‬
 ‫الاجتزاء والمبالغة‪ ،‬يمكن التعرف‬          ‫الرجعي ونشر الرجعية الدينية‪،‬‬     ‫ينشرون الاضطراب في أوروبا بعد‬
                                           ‫فقد تنتهي الهيمنة مث ًل للتنين‬    ‫بضعة عقود‪ .‬وكثير منهم يجدون‬
    ‫عليها في مصر مث ًل من قراءة‬             ‫الصيني‪ .‬ويصعب توقع كيف‬           ‫في المجتمعات التي هاجروا إليها‬
   ‫تأريخ الجبرتي في كيفية تعامل‬        ‫يكون موقفه حاله تفوقه من الآخر‬        ‫معاملة جيدة‪ ،‬وقد يتلقون إعانات‪،‬‬
   ‫الكيان الرجعي مع الأقباط‪ .‬ولا‬                                             ‫لكنهم رغم ذلك لا يضمرون نوايا‬
 ‫شك في وجود ما يسمح بتضخيم‬                                   ‫المختلف‪.‬‬          ‫طيبة‪ ،‬فهم متربصون بالمجتمع‬
    ‫التسامح مع غير المسلمين في‬                                                  ‫الغربي ولو أطعمهم من جوع‬
                                                ‫‪)١٩‬‬                              ‫وآواهم من خوف‪ ،‬يض ِّخمون‬
    ‫الكيان الرجعي‪ ،‬وتفسيرنا هنا‬                                               ‫أخطاءه‪ ،‬ويمتنعون عن الاندماج‬
   ‫أن المسألة متعلقة بتطور العقل‬              ‫أساطير أندلسية‬                  ‫فيه‪ ،‬إنهم مجندون ‪-‬سواء وعوا‬
   ‫والضمير الذي يكون في ذروته‬               ‫رجعيًّا يقال الأندلس لشبه‬          ‫واعترفوا أم لا‪ -‬لصالح الكيان‬
    ‫على مستوى البشر كلهم عادة‬                                                  ‫الرجعي القائم على استلاب كل‬
  ‫بالجزء الأكثر تفو ًقا حضار ًّيا في‬           ‫جزيرة أيبيريا أي إسبانيا‬        ‫شيء وتخريب الحياة‪ ،‬هذا كله‬
 ‫العالم‪ ،‬وهذا التسامح نسبي‪ ،‬ومن‬             ‫والبرتغال‪ ،‬والموقف الرجعي‬      ‫يمكن وصفه بالغزو الناعم لأوروبا‪.‬‬
‫الطبيعي أن يكون في أرجاء الكيان‬             ‫منها حالة خاصة لموقفه ‪-‬أو‬         ‫وفي هذا قد تحدث أشكال كثيرة‬
  ‫الرجعي أفضل من مناطق أخرى‬             ‫أحد تطبيقات موقفه‪ -‬من التاريخ‬       ‫من المواقف والتصرفات العجيبة‪،‬‬
    ‫أقل تطو ًرا في العقل والضمير؛‬          ‫والغرب‪ ،‬ويمكن تلخيصها في‬          ‫كاعتقاد البعض أن المعونات التي‬
                                       ‫ثلاث أساطير دينية رجعية؛ الأولى‬
      ‫لكن بالتجمد عند تلك المرحلة‬           ‫أن الدين هو ما وراء حضارة‬                    ‫يحصل عليها جزية‪.‬‬
 ‫‪-‬التي كان فيها تفعيل لمفاهيم مثل‬            ‫الأندلس التي كانت في غاية‬           ‫وإن تأملنا مجمل الموقف‬
 ‫الجزية‪ -‬يمكن اعتبار ذلك الهامش‬             ‫منتهى العظمة كجزء من غاية‬         ‫الرجعي من الغرب في الكراهية‬
‫من التسامح أقل بكثير من أن ُيشاد‬          ‫منتهى عظمة الحضارة الممتدة‬           ‫والغل والشماتة ومحاولة نشر‬
                                           ‫عبر الزمان والمكان في عموم‬        ‫ثقافة ماضي شبه جزيرة العرب‬
   ‫به في غير إطاره التاريخي‪ ،‬وهو‬       ‫أرجاء الكيان الرجعي‪ ،‬والثانية عن‬
‫أقل كثي ًرا مما ينبغي قيا ًسا على آخر‬   ‫التسامح الذي كان هناك ولا مثيل‬
                                         ‫له‪ ،‬والثالثة عن استعادة الأندلس‬
  ‫ما توصلت إليه البشرية ممثلة في‬
‫حضارتها المتفوقة حاليًا أي الغرب‪.‬‬

 ‫وهناك الكثير من الشواهد على‬
‫مبالغات التسامح في الأندلس‪ ،‬مث ًل‬
   140   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150