Page 146 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 146

‫العـدد ‪١٩‬‬                    ‫‪146‬‬

                                                           ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

   ‫ترفع شعارات العودة للأندلس‪.‬‬         ‫يسري على عموم وعوام‬

          ‫‪)٢٠‬‬                          ‫المختلفين دينيًّا‪.‬‬
                                       ‫وعلى كل حال إن يكن‬
      ‫س َّخرهم الله لنا‬
                                       ‫هناك هامش من التسامح‬
   ‫ومن تصورات العقل الرجعي‬
 ‫أن ما عند الغرب من تقدم وازدهار‬       ‫الديني والفكري في‬

   ‫حضاري إنما هو تسخير من الله‬         ‫الأندلس أو غيرها من‬
   ‫في خدمتنا‪ .‬ونرى أن نكتفي من‬
 ‫العيب بما ناقشنا من حجج واهية‪،‬‬        ‫أطوار الكيان الرجعي فقد‬
   ‫وأن نترفع عن نقاش هذه الحجة‬
  ‫الوضيعة؛ التي لا تقل وضاعة عن‬        ‫أحبطته دائ ًما الرجعية‬
 ‫الشماتة فيما يجري للمختلفين من‬         ‫الدينية‪ ،‬ومر ُّده دائ ًما‬
‫كوارث‪ ،‬كالشماتة في الصين بسبب‬          ‫تطور العقل والضمير‬

     ‫وباء فيروس كورونا الذي هو‬         ‫على غير ما تأمر به‬
  ‫هم إنساني عام عكس التصورات‬
                                       ‫مفاهيمها‪.‬‬                            ‫سلمان رشدي‬  ‫الخوميني‬
              ‫الرجعية العصبجية‪.‬‬
                                       ‫ومن الاستعلاء‬
          ‫‪)٢٠‬‬                          ‫أين كان اضطهاد ابن رشد؟! ومث ًل في الرجعية الدينية الاعتقاد‬
                                       ‫على خلفية معاناة يهود القرن ‪ ١٩‬بوجوب خضوع كامل الأرض‬
    ‫عاداتنا وتقاليدنا‪..‬‬                ‫في أوروبا من الاضطهاد بالغوا ومن عليها لحكمها‪ ،‬يعني حكم‬
       ‫الغزو الثقافي‬                   ‫في تناول التسامح الذي عاشوا فيه ماضيها الصحراوي الذي يعلو‬
                                                                             ‫بالأندلس‪ ،‬وكيف أنهم سبق لهم‬
 ‫ضمن البارانويا الرجعية؛ تتر َّدد‬         ‫ولا ُيعلى عليه‪ .‬وكل أرض لا‬        ‫العيش بسلام مع الآخرين؛ تكفي‬
  ‫دائ ًما معاني مثل ضرورة الحفاظ‬       ‫يتغلب عليها المسلمون هي ديار‬
                                       ‫المذبحة ضد يهود غرناطة في عهد حرب وهي محتلة من أهلها حتى‬
    ‫على «عاداتنا وتقاليدنا» ضد ما‬      ‫ملوك الطوائف‪ ،‬والتي أسهم ابن يكونوا مسلمين‪ ،‬بهذا فإن أصل‬
      ‫يوصف بالغزو الثقافي‪ ،‬وفي‬         ‫حزم في التحريض عليها للدلالة الأشياء هو خضوع الأرض‬
                                                                            ‫على أن الواقع خلاف الأسطرة‬
 ‫معظم الأحيان يحيل تعبير «عاداتنا‬      ‫للرجعية الدينية خاصة في شكل‬
 ‫وتقاليدنا» لشئون الجنس والمرأة‪،‬‬       ‫الرجعية‪ ،‬وقد عاش كل غير مسلم رسمي من الوجود الفعلي للكيان‬
                                                                             ‫في الكيان الرجعي عمو ًما بما فيه‬
    ‫وما أكثر الكتب عن ذلك «الغزو‬       ‫الرجعي تحت مس َّمى مثل الخلافة‪،‬‬      ‫الأندلس كمواطن درجة ثانية‪ ،‬يدفع‬
‫الثقافي»؛ مث ًل للشيخ محمد الغزالي‬         ‫فلا يشعر َح َم َلة العقل الرجعي‬
 ‫كتاب عنوانه‪« :‬الغزو الثقافي يتم َّدد‬                                              ‫الجزية عن ي ٍد وهو صاغر‪.‬‬
                                       ‫بالتناقض في اعتقادهم أن الأندلس‬
   ‫في فراغنا»‪ ،‬وكتاب آخر عنوانه‪:‬‬                                            ‫أما أن بعض الخلفاء والأمراء‬
               ‫«ظلام من الغرب»‪.‬‬        ‫حق سليب ينبغي استعادته من‬
                                                                            ‫استوزروا يهو ًدا أو مسيحيين‪،‬‬
         ‫ويعبر مصطلح «الغزو‬            ‫أهله الذين استعادوا بلادهم بعد‬
  ‫الثقافي» عن ذهن صراعي بمنطق‬          ‫أو استعملوهم كأطباء فغالبًا كان حوالي سبعة قرون من احتلالها‬
‫الغزوات(‪ ،)14‬وهو يقتصر على تتبع‬          ‫الديني الرجعي‪ ،‬ولا يشعر َح َم َلة‬    ‫ذلك من قبيل الاستعانة بمهارات‬
                                       ‫العقل الرجعي أي ًضا أن هذا لو جاز‬       ‫مفتقدة بين المسلمين‪ ،‬وضمانة‬
    ‫ورفض أنماط السلوك الغربي‪،‬‬                                               ‫أكبر للولاء‪ ،‬حيث لا ظهير للأقليات‬
  ‫والمسألة ليست ذلك السلوك فقط‬             ‫لكان من حق للغرب «الصليبي‬            ‫سوى عملها وعلمها ومهاراتها‪،‬‬
                                        ‫العلماني» السعي لاستعادة البلاد‬      ‫بينما كانت صراعات الحكم تجعل‬
    ‫وإنما أي ًضا وأسا ًسا الرغبة في‬                                         ‫الحاكم يف ِّضل من يثق به‪ ،‬ولا يمكن‬
‫الدفع نحو اتباع أنماط السلوك الذي‬          ‫التي انتزعتها منه جيوش شبه‬         ‫اعتبار اتخاذ حاكم لطبيب يهودي‬
                                          ‫جزيرة العرب في القرن السابع‬          ‫أو مسيحي دلي ًل على التسامح؛‬
  ‫يحقق أكبر قدر من بنود الكتالوج‬       ‫الميلادي مثل مصر والشام‪ ،‬وفيما‬          ‫فهؤلاء أعلام لا تسري عليهم ما‬

                                           ‫بعد مثل تركيا‪ .‬هذا كله يفسر‬
                                        ‫مظاهرات من َح َم َلة العقل الرجعي‬
   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150   151