Page 143 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 143
الرجعية الدينية ذاتها كمنظومة أن دور تلك الحضارة غير مق َّدر
مفاهيم محبطة للعقل حالت دون كما ينبغي ،وأنه بدونها ما كان
ازدهار حضاري شامل في كامل فترات للغرب أن يتف َّوق حضار ًّيا ،وما
الوجود الرسمي للكيان الرجعي،
وقضت في النهاية على الفترة العابرة كانت تقوم لأوروبا قائمة.
من حالات النبوغ الفردي للفلاسفة في هذا الإطار هناك -مث ًل-
تضخيم لدور ابن رشد في النهضة
والمفكرين والأدباء والعلماء.
يضيق المجال عن استدعاء ما جرى الأوروبية ،بحيث يبدو وهو
لمعظمهم ،وقد ُيصدم كثيرون من الشارح لأرسطو ،كأنه أعظم من
َح َمَلة العقل الرجعي بمعرفة ما جرى أرسطو نفسه ،هذا مع فصامية
لأسماء كالفارابي وابن سينا والرازي النظر بريبة إن ليس بعين التكفير
لابن رشد من الطيف الأكبر في
من اضطهاد وملاحقة
الرجعية الدينية ،وأسلاف ذلك
العقل الرجعي في تضخيم عظمة حضارية بالتطور المستمر في الطيف اضطهد ابن رشد وحرق
«حضارة» الكيان الرجعي، العقل والضمير ،ولو جاز التفاخر
واستلاب التاريخ وتحريفه -بالمنطق الرجعي -فهو أجدر لمن كتبه.
كان في ظلمات العصور الوسطى وبمثل التربص بإشادات
وتشويهه لصالح الدين ،فإنه يحط «المنصفين» من مفكري الغرب
من شأن الحضارات الأخرى(،)13 ونهض من كبوته ،وتغلب على بالرسول والإسلام ،يتربص العقل
صعوبات عسيرة حتى صار في الرجعي ويحتفي غاية الاحتفاء بكل
ومقابل تضخيم الأفضال على النور ،ممن لا يزال يعيش في تلك إشادة بـ«الحضارة الإسلامية»
الحضارة الأوروبية ،هناك إنكار الظلمات متفاخ ًرا بأنه كان عنده من أولئك «المنصفين»؛ مث ًل كتاب
رجعي لأفضال الحضارات السابقة نور ،بينما ينبغي له أن يستحي زيجريد هونكه «شمس العرب
خاصة في البلاد التي احتلها مما صار فيه .بذلك المنطق تسطع على الغرب».
الكيان الرجعي ،هذا يتخذ أشكا ًل الرجعي نفسه يمكن القول إن ما وحتى حين نتماشى مع الخطأ
استفادت منه الحضارة الأوروبية الشائع بد ًل عن الصواب المتروك
بلا حصر؛ لم ينج من آثار تلك ونسلم بوجود تاريخي في غاية
الحضارات إلا ما لم يكن مكتش ًفا من ازدهار حضاري عابر في
أو لم يمكن تخريبه ،وخرب غزاة الكيان الرجعي كان في معظمه المنتهى من العظمة للحضارة
بضاعتها اليونانية القديمة وردت على مدار فترة الوجود الرسمي
الكيان الرجعي ونهبوا معالم إليها ،وقد قامت النهضة الأوروبية
حضارية عديدة في بلاد الفرس، على إرثها اليوناني والروماني للكيان الرجعي ،فينبغي القول
حاول هارون الرشيد هدم إيوان إن الحضارات الإنسانية حلقات
كسرى ،كما حاول المأمون هدم والمسيحي. متواصلة ،متفاعلة ،كل منها تستفيد
وفي الوقت الذي يبالغ فيه من سابقاتها ،وتبني عليه ،وتزدهر
الأهرامات ،واس ُتعملت أحجار على أرض التجربة البشرية ،وتقدم
آثار فرعونية في بناء كثير من إضافاتها بمختلف نواحي الحياة؛
وحين تنحسر ،تتسلم الراية بعدها
حضارة أخرى .الحضارات كالأيام
دول .ولا يمكن اعتبار الكيان
الرجعي نهاية التاريخ ،لم يحدث
أن ُبعثت حضارة من مرقدها،
ولن يحدث لارتباط كل حقبة