Page 147 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 147

‫يعبر مصطلح «الغزو الثقافي» عن‬                                                 ‫المستحيل للرجعية الدينية‪ ،‬هكذا‬
  ‫ذهن صراعي بمنطق الغزوات‪،‬‬                                                   ‫يعتبر العقل الرجعي غير المتبعين‬
   ‫وهو يقتصر على تتبع ورفض‬
 ‫أنماط السلوك الغربي‪ ،‬والمسألة‬                                                  ‫لموقفه منبهرين بالغرب‪ ،‬على‬
                                                                            ‫أساس أن الأصل الأبدي في مصر‬
‫ليست ذلك السلوك فقط وإنما أي ًضا‬                                             ‫هو ماضي شبه الجزيرة العربية‪،‬‬
‫وأسا ًسا الرغبة في الدفع نحو اتباع‬
                                                                                ‫هذا هو الذي ينبغي الانبهار به‬
  ‫أنماط السلوك الذي يحقق أكبر‬                                                  ‫وعبادته وحده لا شريك له‪ .‬ولا‬
 ‫قدر من بنود الكتالوج المستحيل‬                                               ‫شك أن بول البعير أجدر بالانبهار‬

          ‫للرجعية الدينية‬                                                        ‫كثي ًرا من المضادات الحيوية‪.‬‬
                                                                            ‫ومن ثم فإن الاحتفال بعيد الأم أو‬
  ‫الانتقائي من تاريخ الغرب يمتد‬       ‫فتواه الحاقدة على القيم الحضارية‬      ‫اليوم العالمي للمرأة مث ًل هو تقليد‬
       ‫للعصور الحديثة باستدعاء‬         ‫الغربية بإهدار دم سلمان رشدي‪.‬‬
                                      ‫و َح َم َلة العقل الرجعي المتزاحمون‬     ‫أعمى للغرب والواجب أن نحتفل‬
     ‫الحربين العالميتين على نحو‬                                              ‫مث ًل بمعاهدة السلام التي أبرمها‬
   ‫ما سبق وبيَّنَّا عند الحديث عن‬         ‫أمام سفارات وقنصليات الدول‬       ‫عروة بن سنان لإنهاء حرب داحس‬
  ‫العلمانية‪ ،‬وهذا فض ًل عن دلالته‬         ‫الغربية يس ُّبون الغرب الفاسق‪،‬‬     ‫والغبراء‪ ،‬وذكرى غزوات الرسول‬
  ‫على التعصب قائم على المغالطة‬            ‫ومعظمهم كانوا من المتشنِّجين‬         ‫ووقائع الكيان الرجعي بما فيها‬
   ‫المنطقية‪ ،‬ويكثر استعماله على‬           ‫المشتعلين بالكراهية ضد رواية‬       ‫ذكرى غزو مصر أولى بالاحتفال‬
 ‫كل مستوى من عامة َح َم َلة العقل‬                                          ‫من نصر أكتوبر‪ .‬هكذا فإن الحجاب‬
 ‫الرجعي حتى شيخ الأزهر‪ .‬كأنما‬                 ‫«آيات شيطانية» والرسوم‬        ‫والنقاب من عاداتنا وتقاليدنا بينما‬
   ‫يمكن تبرير الإرهاب الإسلامي‬        ‫الكاريكاتيورية التي اعتبروها مسيئة‬      ‫عدم ارتداء الحجاب هو من قبيل‬
   ‫الحالي بالإرهاب الذي كان في‬                                                 ‫التقليد الأعمى للغرب تعبي ًرا عن‬
                                        ‫للرسول‪ ،‬منددين وداعين لمقاطعة‬      ‫الغزو الثقافي الذي يتمدد في فراغنا‬
     ‫العصور الوسطى‪ .‬وخلاصة‬             ‫المنتجات الغربية عامة والدانمركية‬
‫المراد هو «لا تعايرني ولا اعايرك‬       ‫خاصة‪ .‬وهم ذاهبون بمنطق الغزاة‬             ‫وهو ظلام من الغرب‪ ،‬بالظبط‬
                                       ‫المدمج في أساساتهما العقلية على‬        ‫كما قيل من قبل عن تعليم المرأة‬
  ‫الهم طايلني وطايلك»‪ .‬ولا داعي‬
    ‫لنقاش هذه الأمور وسياقاتها‬                             ‫نحو ما بينا‪.‬‬                    ‫وخروجها للعمل‪.‬‬

 ‫التاريخية تفصيليًّا‪ ،‬لا داعي أي ًضا‬            ‫‪)٢٣‬‬                                  ‫‪)٢٢‬‬
  ‫لاستدعاء مخازي غزوات الكيان‬
                                             ‫تقليب الدفاتر‪،‬‬                          ‫واغ ْرباه‬
   ‫الرجعي ومذابحه التي افتقرت‬              ‫استدعاء الماضي‬
 ‫فقط لوسائل تدميرية توافرت في‬           ‫والمقارنات غير المنطقية‬                ‫ولا يتر َّدد القادة ممن يشيع‬
 ‫الحربين العالميتين بفضل التقدم‬                                                  ‫بينهم أن الغرب يقود مؤامرة‬
‫العلمي‪ ،‬ولا يمكن كذلك القول مثل‬           ‫يكاد لا يخلو حديث رجعي‬              ‫سرمدية ضد الكيان الرجعي في‬
‫الرجعية الدينية إن كذا من الأمور‬          ‫عن الإرهاب مث ًل من استدعاء‬            ‫الاستغاثة بالغرب‪ ،‬الجماعات‬
‫ليس من الحضارة الغربية أو ليس‬         ‫الإرهاب الديني المسيحي ومحاكم‬
‫من العلمانية في شيء بمثل القول‬          ‫التفتيش والحروب الصليبية في‬                ‫الإسلامية وأولها الإخوان‬
                                       ‫العصور الوسطى‪ ،‬هذا الاستدعاء‬           ‫لاجئة في الغرب وتحتمي بقيمه‬
                                                                              ‫الحضارية التي تعاديها الرجعية‬
                                                                           ‫الدينية كحريات التعبير‪ ،‬والخوميني‬
                                                                            ‫عاش في أوروبا حتى تمكن أتباعه‬
                                                                              ‫من الحكم‪ ،‬فعاد ليتز َّعم الفاشية‬
                                                                             ‫الدينية الحاكمة في إيران ويصدر‬
   142   143   144   145   146   147   148   149   150   151   152