Page 142 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 142
العـدد ١٩ 142
يوليو ٢٠٢٠
على منجزات الحضارات السابقة في الهيمنة الدينية الرجعية التي فعلت فترات الوجود الرسمي للكيان
اليونان والهند وفارس. كل ما بوسعها لحصار هذا النبوغ الرجعي ،وقضت في النهاية على
وإحباطه ،وقد نجحت في النهاية الفترة العابرة من حالات النبوغ
وحين يتش َّدق َح َم َلة العقل الفردي للفلاسفة والمفكرين والأدباء
الرجعي بحضارة منسوبة للدين وحالت دون استمراره بالتراكم والعلماء .يضيق المجال عن استدعاء
شاملة كل فترة الوجود الرسمي المعرفي ،فلم تنشأ أجيال بعد أجيال
ما جرى لمعظمهم ،وقد ُيصدم
للكيان الرجعي كامبراطورية من العلماء مث ًل. كثيرون من َح َم َلة العقل الرجعي
توسعية قائمة على الغزو ،فإنهم ورأي الرجعية الدينية واضح بمعرفة ما جرى لأسماء كالفارابي
يغفلون الدموية الشديدة لكامل وقاطع ضد العلوم العقلية ،قيل مث ًل وابن سينا والرازي من اضطهاد
من تمن َطق تزندق ،وك َّفر ابن تيمية وملاحقة ،مث ًل اتهم الخوارزمي
تاريخ ذلك الكيان ،وأن أحوال المشتغلين بالكيمياء الذين كان ُينظر
عامة الناس لم تكن جيدة عمو ًما، لهم كسحرة يشتغلون بتحويل بالكفر لمحاولته استعمال
سجلت ذلك وثائق التأريخ العادي المعادن «الخسيسة» إلى نفيسة، الرياضيات في حساب المواريث،
مثل مصنفات ابن إياس والجبرتي، هكذا كان النصر النهائي والسيادة وابن سينا الذي كان شيعي الأصل
الحالية هي لأعلام الرجعية الدينية فهو متهم في دينه سنيًّا رجعيًّا،
وكذلك وثائق التأريخ الأصدق جالبة التخلف كالشافعي والغزالي وقد اتهم بالزندقة والكفر كالجميع
للحياة والناس الذي يتبدى في مثل صاحب كتاب «تهافت الفلاسفة»،
والمعني هو تهافت المشتغلين تقريبًا ،خاصة وقد تميز الكيان
كتب الأدب. بالحكمة ،أي بالعلوم العقلية؛ وكانت الرجعي دائ ًما بالخلط والاستغلال
ثم ليكن ،كانت الحضارة كلمة علماء مقتصرة رجعيًّا على المتبادل بين الدين والسياسة التي
المنسوبة للدين في الكيان من خلالها ُنظر لمعظم هؤلاء العلماء
الاستعماري الرجعي عظيمة ج ًّدا، شيوخ الدين(.)12 كأجسام غريبة في جسم الكيان
كانت الأعظم في الكون وقت أن ويقول الشافعي: الرجعي ،ولعلهم كانوا كذلك بالفعل
كانت أوروبا تسبح في ظلمات كل العلوم سوى القرآن مشغلة من وجهة أنهم تمثيل للتفكير الحر
العصور الوسطى ،زدنا صلاة النبي، إلا الحديث وإلا الفقــه في الـدين
بماذا يفيدنا ذلك الآن؟! لا شيء ،تلك العلم ما كـان فيــه قال حدثنــا غير المقيد بالرجعية الدينية.
فقط إحدى وسائل المتاجرة بالدين، وما سوى ذاك وسواس وتميزت فترة الازدهار
وجذب السذج والجهلة إلى محاولة
استعادة الماضي المقدس رجعيًّا الشياطين «الحضاري» للكيان الرجعي
باستعمال تعبيرات مثل الخلافة لم تكن المعاني الحديثة للعلم بضعف نسبي للهيمنة الدينية على
الإسلامية ،أو تطبيق شرع الله،
وحكم الله ،وأستاذية العالم ...إلخ، والعلماء قد ظهرت بعد ،كان الواقع ،مما تجلَّى في أن الخلفاء
باعتبار النكوص لذلك الماضي هو الفيلسوف «يعني العالم» هو نموذج والأمراء مث ًل كانوا يعقدون ما هو
الوسيلة الوحيدة لاستعادة العظمة. مرفوض رجعيًّا من مجالس للحوار
الكشكول الذي يجمع بين مجالات
)١٦ معرفية مختلفة ،عادة كان الدين والمناظرات الحرة بين الأديان،
أساسيًّا فيها؛ لأنه ما ينشأ عليه وكذلك للشراب ،واللهو والغناء.
للحضارة «الإسلامية» الجميع ،فكان كثير من الفلاسفة فكانت منجزات «علماء الحضارة
أفضال عظيمة ج ًّدا -غير الإسلامية» مثل كل منجز علمي في
على جانب كبير من المعرفة الدينية، التاريخ على أسس عابرة للثقافات
ُمق َّدرة -على أوروبا وربما نبغ هذا أو ذلك في أحد استغلها النبوغ الفردي لهؤلاء
العلماء الذين استفادوا مما أتيح من
ويصحب الاستعلاء بعظمة العلوم العقلية وطغت شهرته فيها استقرار نسبي أو تشجيع حاكم هنا
حضارية مبالغ فيها ومنسوبة على غيرها ،كشهرة ابن سينا في وهناك ،وقد فكروا بدرجات متفاوتة
للدين مشاعر الاضطهاد ،وال َمن الطب ،وهذا لا يعني أن الدين كان
الم َرضي على الغرب لدرجة الزعم سر النبوغ بل كان الأساس الاطلاع خارج الحدود التي تسمح بها