Page 137 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 137

‫تجديد الخطاب ‪1 3 7‬‬                  ‫الإسلام ورسوله ح ًّظا من هذا‬
                                      ‫الثناء؛ بمنطق‪« :‬الكلام لك يا‬
     ‫نظرية المؤامرة والشخصنة؛‬
  ‫ليشعر بالاطمئنان ويتحصن من‬        ‫جارة»؛ فولتير مث ًل الذي مدح‬
                                    ‫الإسلام ورسوله؛ فعل العكس‬
            ‫أبحاثهم ومقارباتهم‪.‬‬
       ‫ومقابل انتقاء المديح بل‬       ‫أي ًضا‪ ،‬وله في ذلك مسرحية‬
‫واختلاقه‪ ،‬تتجاهل الرجعية الدينية‬        ‫شهيرة‪ ،‬في الحالتين كان‬
      ‫النقد المحايد الذي يكشفها‪،‬‬
   ‫وقد تختلق الذم أي ًضا من كتاب‬     ‫يستهدف الرجعية الدينية في‬
    ‫الغرب ومفكريه لاتخاذه دلي ًل‬                  ‫بلاده وزمانه‪.‬‬
  ‫على المؤامرة السرمدية الحاقدة‬
   ‫على الإسلام التي يضاف إليها‬               ‫‪)١٠‬‬                         ‫ورسوله كان أكثر ك ًّما وشيو ًعا‪،‬‬
    ‫عادة تحابيش مثل الإمبريالية‬                                           ‫وكان الأمر يبلغ حد الافتراءات‬
     ‫والصهيونية والماسونية وما‬      ‫آراء كتاب الغرب ومف ِّكريه‬            ‫والخرافات خاصة في العصور‬
                                      ‫الناقدة للإسلام ونبيه‬
                        ‫يستجد‪.‬‬                                              ‫الوسطى‪ ،‬المسألة هي درجة‬
   ‫ولا يقبل العقل الرجعي نشر‬        ‫يرفض العقل الرجعي مقاربات‬              ‫التطور العقلي؛ ولاح ًقا ضمن‬
                                       ‫المستشرقين الغربيين للتراث‬      ‫سياق الحداثة الأوروبية ومسارها‬
     ‫آراء ُكتاب ومفكري الغرب ما‬        ‫الإسلامي؛ لأنها غالبًا منهجية‬    ‫قاوم كتابها ومفكروها المنظومة‬
     ‫دامت في غير صالح الإسلام‬            ‫علمية وأكثر موضوعية من‬           ‫القيمية المسيحية بطرق عديدة‬
                                        ‫التناول الرجعي المميز دائ ًما‬      ‫منها تمجيد الإرث الحضاري‬
        ‫ونبيه؛ مث ًل حذف مترجم‬                                              ‫اليوناني «الوثني»‪ ،‬والاحتفاء‬
    ‫«الكوميديا الإلهية» ما ورد بها‬  ‫بالاختزالية والانتقائية والتدليس‬         ‫بالجسد المحاصر بالخطيئة‬
 ‫عن الرسول وعلي بن أبي طالب؛‬           ‫والكذب أي ًضا‪ ،‬وإن كان العقل‬     ‫كنسيًّا‪ ،‬وتأليف كتب زاخرة بنقد‬
   ‫لأن مؤلفها وضعهما في القسم‬         ‫نفسه يتربص لاقتناص ما يراه‬            ‫رجال الدين وفضح فسادهم‬
 ‫الخاص بالجحيم من ملحمته‪ .‬ولو‬           ‫في تلك المقاربات من مدائح‬         ‫مثل «الديكاميرون» و«حكايات‬
    ‫لم يفعل المترجم ذلك فسوف‬            ‫للدين والرسول‪ ،‬أما ما ليس‬           ‫كانتربري»‪ ،‬والكتابة باللغات‬
   ‫يثور عليه حملة الرجعي بطبعه‪،‬‬                                        ‫المحلية دون اللاتينية لغة الكنيسة‬
                                     ‫بمدائح أو ما لا يتفق مع مزاجه‬         ‫كما فعل دانتي في «الكوميديا‬
       ‫ويؤذونه‪ ،‬ويمنعون النشر‪.‬‬             ‫المتعطش للثناء على كافة‬
       ‫وتتب َّجح الرجعية الدينية‬                                                              ‫الإلهية»‪.‬‬
      ‫بمحاولة فرض قيودها على‬          ‫عناصر وأعلام التراث والكيان‬          ‫في هذا السياق كان البعض‬
    ‫الحريات خاصة حرية التعبير‬         ‫الرجعيين؛ فإنه يعد رجعيًّا من‬      ‫يثني على الأديان الأخرى‪ ،‬ونال‬
    ‫خارج مناطق الهيمنة الرجعية‬         ‫قبيل التجنِّي‪ ،‬أو نتيجة ضعف‬
  ‫أي ًضا‪ ،‬والمسألة فيها دم؛ وعقب‬     ‫علم المستشرقين باللغة‪ ،‬أو عدم‬
     ‫كل واقعة‪ ،‬مثل أزمة الرسوم‬        ‫الفهم أو ضمن الرؤية الرجعية‬
‫الكاريكاتيرية في الدانمرك‪ ،‬تتأجج‬      ‫الجامعة للاستشراق كجزء من‬
    ‫المظاهرات العنيفة في مناطق‬      ‫المؤامرة‪ .‬يريد العقل الرجعي من‬
     ‫الهيمنة الدينية الرجعية حول‬    ‫المستشرقين أن يتناولوا الإسلام‬
‫العالم‪ ،‬ويتأجج الاشتعال العاطفي‬
  ‫في مصر‪ ،‬تنتشر ملصقات‪« :‬إلا‬            ‫كالدعاة والمشايخ‪ ،‬ويتجاهل‬
    ‫رسول الله»‪ ،‬وترتفع صيحات‬             ‫أو يجحد فضل الاستشراق‬
 ‫مقاطعة المنتجات الغربية بحسب‬         ‫العلمي في تحقيق التراث الذي‬
      ‫الدولة المراد فرض الهيمنة‬      ‫تقوم عليه الكثير من «المعارف»‬
   ‫الرجعية عليها‪ ،‬أي فرض منطق‬       ‫الدينية الرجعية‪ ،‬وعادة يستهدف‬
                                    ‫العقل الرجعي ذاته المستشرقين‬
                                        ‫أنفسهم بآلياته المعتادة مثل‬
   132   133   134   135   136   137   138   139   140   141   142