Page 135 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 135
أعجب ما في الرجعية الدينية أن المخالفة أننا بفضل من الرجعية
تتصور الجنة حافلة بالمتع المادية ليست عندنا تلك الأشياء ،وأن
ثم تعيب على الغرب ما تزعم إنسان الرجعي بطبعه يعيش في
من مادية مجردة عن كل مظهر سعادة وانبساط ونعنشة ،ونحن
«روحاني» .وتجاوًزا لما في كلمتي غارقون في الروحانيات بفضل
ونعمة من الرجعية الدينية التي
روح وروحاني من غموض انعكست إيجابيًّا على واقعنا المليء
بالمس َّرات .ويكأن الرجعية ذاتها
فالانتحار مث ًل في واقعنا الرجعي الإدراك الخرافي والديني .وفض ًل تحب الحياة وترغب في تحسينها.
بطبعه كثير للغاية وأقرب للدلالة عن أن تع ُّقب مزاعم الرجعية الدينية
على «الخواء الروحي» ،وضعف هنا تظهر سمات الانفصال عن
الرعاية الصحية خاصة لمرضى عن الغرب من السخف فهو أي ًضا الواقع والتناقض والفصامية.
الاكتئاب الذي هو مرض إنساني مضيعة للوقت ،وإنما نضطر لذلك ومن أعجب ما في الرجعية
عابر للثقافات ويقف وراء معظم نتيجة ما تفرضه علينا في الواقع الدينية أن تتصور الجنة حافلة
حالات الانتحار ،وأقرب للمعقول بالمتع المادية ثم تعيب على الغرب
أن الانتحار في الغرب دال أكثر الذي تتسلط عليه. ما تزعم من مادية مجردة عن كل
ولا شك في ارتفاع جودة مظهر «روحاني» .وتجاو ًزا لما في
على قلق وجودي يوازي تطور الحياة في الغرب بدليل حركة كلمتي روح وروحاني من غموض،
العقل والضمير ،بينما قد يدفع الهجرة إليه من المجتمعات
العقل الرجعي لانتحار مراهقة والتباس معظمه ديني ،فإن
نتيجة ضغوط مثل تزويجها من التي تهيمن عليها الرجعية الحضارة الغربية قدمت للبشرية
الدينية ،وتقارير الأمم المتحدة أعظم الفنون والآداب ،وتلك هي
شخص لا تريده ،وقلما تجد وإحصاءاتها تؤكد أن دول الغرب عين «الروحانية»( .)6ولا تقتصر
بين َح َم َلة العقل الرجعي منتح ًرا -وكثير منها بين الدول الأكثر مزاعم الخواء الروحي والمادية
لا دينية كالبلاد الإسكندنافية في الغرب على عموم الجماهير،
لأنه مهندس فشل في تصميم واليابان -هي الأفضل في العالم، بل تتجلى على مستويات مختلفة
معماري ،أو وزير ق َّصر في أداء بأشكال معظمها مراوغ ،وبعضها
والعكس هو ما نعيشه تحت واضح حتى على مستوى أدبي كما
واجباته ،أو سائق قطار أدى وطأة الهيمنة الدينية الرجعية في رواية توفيق الحكيم «عصفور
إهماله لمقتل عشرات الأشخاص. بنعمها التي لا تحصى ،ومنها
من الشرق»(.)7
)٨ ضعف القدرة على مكاشفة ولا نزعم أن الحضارة الغربية
الذات وافتقاد الذهن الرياضي
الغرب جميل، ومن ثم افتقاد إحصاءات معلنة أقامت المجتمع المثالي الخالي
جميل الغرب وموثوق بها .وبصرف النظر من العيوب والمنزه عن النقص،
عن غياب الإحصائيات ،وفض ًل لم يحدث هذا في أي وقت ،ولا
بعد كل ما سبق ،وفصاميًّا، عن الحياة الفاسدة التي تجلب
أنتج الرجعي بطبعه من فم الشيخ التعاسة بكتالوج الرجعية الدينية أثناء الوجود الرسمي للكيان
ينبغي أن يكون عليه أتباعها، الرجعي بما في ذلك فترة النبوة،
محمد عبده كليشيه« :رأي ُت في والسقف الرجعي الذي يرتفع
أوروبا إسلا ًما بلا مسلمين ،وفي كما لا يبدو أنه في المتناول
بلادنا مسلمون بلا إسلام» .هذه لنكون مقصرين مهما فعلنا، القريب ،المشكلة الإنسانية معقدة،
المقولة من الأغذية المفضلة للعقل
والمسيرة البشرية مستمرة ولا
نزال في بداية الإدراك العلمي
للعالم قيا ًسا على آلاف السنين من