Page 131 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 131
تجديد الخطاب 1 3 1
التي تجمد فيها العقل الرجعي متعددة إضافية ،منها الاقتصادي وبشكل مطلق ،تتبنى كافة المواقف
فاعتبر الغرب تمثي ًل للمختلف ومنها السياسي ،على أنه قد سبقها المعبرة عن هذا الانتماء ،ومنها
الديني المستحق للكراهية لأنه مث ًل تكرار الاعتداءات على الح َّجاج عداواته للمختلف والتي هي أشد
مختلف أسا ًسا وليس لأنه محتل تجاه الغرب بصفته المختلف
المسيحيين ،وصراع تجاري الحضاري ،القريب منا جغرافيًّا،
كما يبدو؛ لهذا قاوم الحملة وملاحي في البحر المتوسط ،وهدم
الفرنسية بشراسة( ،)2وقاوم أي ًضا الذي هو تمثيل حي وناجح لمعظم
الحاكم بأمر الله لكنيسة القيامة إن ليس كل القيم التي تعاديها
المحتل الإنجليزي وطرده بعد التي ربما يمكن مقابلة قداستها عند الرجعية الدينية .الغرب متفوق
نحو ٧٠عا ًما ،ولم يتحرك ضد المسيحيين بقداسة المسجد الحرام حضار ًّيا باستعمال العقل العدو
الاحتلال العثماني الذي دام قرو ًنا
أو المسجد النبوي عند المسلمين. الأول للرجعية ذاتها .والعقل مركز
حتى تحلَّل ذاتيًا(.)3 وأص ًل وأسا ًسا كافة البلاد الحضارة الغربية ،بينما المركز
ويمكن النظر للأديان الإبراهيمية في الكيان الرجعي هو الله قوليًّا
خارج شبه الجزيرة العربية التي
كغزو شرق -أوسطي للغرب، احتلتها دولة البداوة الدينية العربية وماضي شبه جزيرة العرب فعليًّا.
المسيحية كاليهودية والإسلام وكونت الكيان الرجعي والتي كانت
خرجت من الشرق الأوسط ،ولم محتلة مما ُع ِرف فيما بعد بالغرب، )٢
ينهض الغرب إلا بتحجيم سيطرة
المسيحية على الحكم والثقافة، تلك البلاد لها أهلها وحضاراتها الغرب الصليبي
ومن مبادئ الحداثة ومنتجاتها الأصيلة ،ونحن في مصر وإن كنا
حريات العقيدة والتعبير ،ومن نتحدث العربية الآن ،فلم نكن عر ًبا حين توحدت قبائل الغزاة
خلالها فإن نقد الدين المسيحي ولا بيزنطيين ،لنا تاريخنا الطويل العرب وأنشأت دولة خرجت
عادي وعلني ودائم في الغرب قبل قدوم الإسكندر وحكم البطالمة باستعمال الدين من شبه الجزيرة
الذي لم يعد كما كان من قرون العربية ،واحتلت بلا ًدا -منها
انقضت؛ لكن الرجعية الدينية تصر والبيزنطيين وقبل أن تمتد دولة مصر -كانت تحت سيطرة غربية
على النظر إليه بعين القرون ما البداوة إلى أرضنا باسم الدين متمثِّلة أسا ًسا في الإمبراطورية
قبل الوسطى ،هذا هو مستواها والخلافات «الراشدة» والأموية البيزنطية ،وسواء حمل راية الكيان
العقلي .وحتى الآن ما زالت دولة والعباسية ،مع استقلال ذاتي الرجعي عرب أو أتراك سلاجقة
البداوة التي تحتل العقل المصري لفترات لعلها كانت أوضح في حكم أو عثمانيون ،فقد منحهم الخطاب
متحصنة بجمودها ،تعيق تطوره الفاطميين ،ثم المماليك الذين تغلب الديني الرجعي الغطاء الأخلاقي
عليهم الأتراك العثمانيون واحتلوا والمبررات والمعنويات اللازمة
وتمنع تجاوزه لاعتبار مصر مصر من ١٥١٧ثم جاءت الحملة للبقاء والتمدد ،حتى احتل الأتراك
جز ًءا من الكيان الرجعي ،واعتبار الفرنسية في ،١٧٩٨وقد امتد مركز الإمبراطورية البيزنطية ذاتها
الآخر الغربي تمثي ًل لمختلف ديني احتلال دولة البداوة من الأرض فيما يعرف حاليًا بتركيا .تخلل هذا
صليبي مستحق -بل مستوجب- إلى العقل المصري الذي وجد كله محاولات أوروبية لاستعادة ما
نفسه بقدوم الحملة الفرنسية أمام فقدته الدولة البيزنطية في الشام
للكراهية من حيث المبدأ. الآخر الغربي المتف ِّوق بخطابه ومصر بشعارات دينية أي ًضا
الحداثي العلماني القائم على إقصاء من خلال الحروب الموصوفة
)٣ حديثًا بالصليبية ،بينما كان يقال
الدين. للصليبيين قدي ًما الفرنجة .ولم تكن
الغرب الاستعماري، لم يأ ِت الاحتلال الإنجليزي تلك الحروب دينية خالصة ،على
ويقال الإمبريالي -ولا الحملة الفرنسية قبله -إلى عكس ما تر ِّوجه الرجعية الدينية،
مصر بشعارات دينية كالحروب وإنما كانت لها عوامل تاريخية
وتفاعلات الجماعات البشرية الصليبية ،تط َّور العقل الأوروبي
متراوحة بين التأثير والتأ ُّثر وتجاوز لحد كبير هذه المرحلة
والصراع والتعاون حسب اختلاف