Page 132 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 132

‫العـدد ‪١٩‬‬                            ‫‪132‬‬

                                       ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

   ‫‪-‬وبالأحرى اللامنطق‪ -‬الرجعي‬          ‫هو امتداد احتلال دولة البداوة من‬      ‫المصالح واتفاقها‪ .‬هذه التفاعلات‬
      ‫الذي يؤ ِّبد العداوة ويفرضها‬     ‫الأرض للعقل في مصر منذ ‪١٤٠٠‬‬            ‫متطورة أي ًضا‪ ،‬ولا جدال أنها لم‬
                                                                               ‫تتجاوز بعد الحروب واستغلال‬
  ‫فوق شروط الواقع‪ ،‬يعتبر الغرب‬            ‫سنة‪ .‬ومن تناقضه وفصاميته‪،‬‬         ‫القوي للضعيف؛ لكنها أي ًضا تتخذ‬
      ‫عد ًّوا أبد ًّيا ككيان موحد مثل‬      ‫وانطماس بصيرته بأثر ديني‪،‬‬           ‫أشكا ًل سلمية بالتعاون وتبادل‬
                                         ‫ينظر العقل الرجعي بعين الرضا‬        ‫المصالح والصراع غير العسكري‬
   ‫الكيان الرجعي‪ ،‬كما يتعامى عن‬                                               ‫أي ًضا في الاقتصاد والمعلومات‪.‬‬
‫الصراعات بين دول الكيان الرجعي‬               ‫للاحتلال العربي لمصر‪ ،‬بل‬
‫نفسه؛ لهذا مث ًل نسمع دائ ًما الندب‬      ‫والاحتلال العثماني أي ًضا‪ ،‬ويقال‬       ‫وفي صلب القراءة التقليدية‬
                                                                                  ‫التي صاغها العقل المصري‬
   ‫والعويل أن «العرب» اتفقوا على‬           ‫رجعيًّا الفتح الإسلامي والفتح‬
    ‫ألا يتفقوا‪ .‬وكلمة «العرب» هنا‬          ‫العثماني‪ .‬وفي العصر الحديث‬       ‫«الرجعي بطبعه» لتاريخنا الحديث‬
                                        ‫استغلت الرجعية الدينية الكراهية‬          ‫أن الأساس دائ ًما هو الصراع‬
  ‫إشارة للكيان الرجعي وخلط بين‬            ‫الطبيعية للاحتلال الاستعماري‬          ‫مع الاستعمار الغربي ثم ضد‬
‫العرب والمتح ِّدثين بالعربية‪ .‬العقل‬    ‫في تبرير كراهية حضارته‪ .‬وهكذا‬
                                           ‫و َّظفت الرجعية الدينية كراهية‬   ‫إسرائيل كرأس حربة له‪ ،‬ولا جدال‬
  ‫الرجعي خ َّلط بطبعه‪ .‬هناك خلط‬             ‫الاحتلال الأصغر‪ ،‬وعلَّقت في‬       ‫في أولوية الكفاح ضد الاحتلال؛‬
    ‫أي ًضا ومقابلة غير منطقية بين‬           ‫رقبته ما جلبته هي من تخلف‬          ‫لكن يبدو أن ذلك اس ُتغل رجعيًّا‬
                                        ‫لصرفنا عن الاحتلال الأكبر للعقل‬      ‫ليشمل العقل الذي مثلته حضارة‬
  ‫المعنى الحضاري للغرب والكيان‬              ‫بالمفاهيم الدينية الرجعية بل‬      ‫الاستعمار الأوروبي الذي شمل‬
‫الرجعي الذي هو سياسي تو ُّسعي‬           ‫هناك من رأى فيها الملاذ بمسمى‬        ‫الكثير من البلاد‪ ،‬فلم يقتصر على‬
                                           ‫الأصالة‪ .‬والواقع التاريخي أن‬             ‫بلاد الكيان الرجعي فقط‪.‬‬
   ‫أسا ًسا‪ ،‬ويفرض العقل الرجعي‬            ‫التخلف هو الذي جلب الاحتلال‬
    ‫خيالاته المتعلقة بالماضي على‬                                            ‫والاحتلال الأكبر هو للعقل‪ ،‬هذا‬
‫واقع تاريخي معاصر مختلف يقوم‬                       ‫الأجنبي والاستعمار‪.‬‬
    ‫على ما يعرف بالدولة القومية‬                                                                           ‫من رسوم‬
                                                 ‫‪)٤‬‬                                                    ‫فناني الحملة‬
                        ‫الحديثة‪.‬‬
                                        ‫الغرب ك ٌّل واحد لا يتجزأ‬                                          ‫الفرنسية‬
          ‫‪)٥‬‬                                                                                        ‫(‪)1801 – 1798‬‬
                                            ‫اندلعت الحروب بين الدول‬
      ‫الغرب العلماني‬                     ‫داخل النطاق الحضاري الغربي؛‬                                     ‫على مصر‪:‬‬
                                        ‫ثم تغلبت المنفعة والمصلحة على‬                                 ‫لبدوي مصري‬
       ‫نشأت العلمانية في واقع‬            ‫الضغائن العاطفية‪ ،‬العقل الغربي‬
    ‫الحداثة الأوروبية لا من خلال‬           ‫يتعلم من أخطائه‪ ،‬مث ًل اختلفت‬                                ‫على حصانه‬
     ‫تنظيرات المفكرين‪ ،‬ولها أكثر‬         ‫العلاقة بين اليابان وأمريكا الآن‬
   ‫من تعريف لعل من أهمها فصل‬            ‫عما كانت عليه في الحرب العالمية‬
 ‫الدين عن الدولة‪ .‬والعلمانية ليست‬
    ‫ضد الدين في ذاته ولكنها ضد‬              ‫الثانية رغم قنبلتي هيروشيما‬
    ‫هيمنة الدين على المجال العام‪،‬‬      ‫وناجازاكي‪ ،‬ومث ًل شدة العداوة في‬
  ‫وتحمي العلمانية حريات الاعتقاد‬
 ‫والتعبير‪ ،‬تقف على مسافة واحدة‬           ‫الماضي القريب لم تمنع التعاون‬
 ‫من جميع الأديان‪ ،‬وترى أن الدين‬         ‫الفرنسي الألماني حاليًا‪ .‬أما لدينا‬
     ‫والتدين مسألة ذاتية فردية لا‬
 ‫موضوعية عامة‪ ،‬وتصورات العقل‬                ‫فالأساس في التفكير واتخاذ‬
 ‫الرجعي تجعل الدين والدولة مثل‬              ‫المواقف هو ضغائن التعصب‬
     ‫توأم ملتصق لا فصل بينهما‪،‬‬           ‫العقائدي القبلي المنتمي لما قبل‬
                                         ‫القرون الوسطى‪ ،‬هذا هو المنطق‬
      ‫وبالإسقاط ينظر َح َم َلة العقل‬
    ‫الرجعي للعلمانية كدين منافس‬
   127   128   129   130   131   132   133   134   135   136   137