Page 140 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 140

‫العـدد ‪١٩‬‬                           ‫‪140‬‬

                                    ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

‫سيف من الذهب والفولاذ‪،‬‬
‫اسطنبول‪ ،‬أواسط القرن السادس‬
‫عشر الميلادي‬

     ‫المفترض رجعيًّا شمولها‬                   ‫من التجليات والمنجزات‬       ‫منذ القرن السابع الميلادي حتى‬
  ‫لكامل فترة الوجود الرسمي‬                        ‫المتكاملة على كافة‬        ‫القرن العشرين‪ ،‬وأننا بهذا كنا‬
 ‫للكيان الرجعي‪ ،‬فقد كانت في‬                                                ‫في النور بينما كانت أوروبا في‬
‫حقيقتها فترة قصيرة ‪-‬حوالي‬                      ‫الأصعدة؛ في السياسة‬          ‫الظلمات‪ ،‬والمراد إثبات العظمة‬
                                              ‫والاقتصاد‪ ،‬في الزراعة‬
      ‫‪ ٢٠٠‬سنة‪ -‬من الوجود‬                                                  ‫لماضي الرجعية الدينية المقدس‪.‬‬
      ‫الرسمي للكيان الرجعي‬                       ‫والصناعة والتجارة‪،‬‬        ‫ولو صح ذلك النوع الساذج من‬
‫والممتد منذ فترة النبوة وحتى‬                     ‫في الأخلاق والفنون‬
   ‫سقوط الإمبراطورية ويقال‬                   ‫والآداب‪ ،‬والمعمار‪ ،‬حتى‬           ‫التفاضل بالأقدمية فلا معنى‬
     ‫الخلافة العثمانية عام ‪،١٩٢٤‬‬    ‫أشكال صناعة الخزف‪ ،‬والملابس‪،‬‬           ‫للحاضر‪ ،‬ولا المستقبل‪ ،‬وأجدر‬
  ‫وتركزت تلك اللمحات الحضارية‬          ‫بل والمأكولات وأنماط السلوك‪.‬‬     ‫بالأفضلية حضارات مصر القديمة‬
  ‫‪-‬العلمية على نحو أكثر تحدي ًدا‪-‬‬     ‫وهناك ترادف بين الحضارة وما‬         ‫والعراق القديم واليونان والشرق‬
   ‫في أواخر حقبة الحكم العباسي‬           ‫يبقى لصالح الإنسانية‪ .‬مث ًل؛‬      ‫الأقصى وكلها أسبق بكثير على‬
 ‫للكيان الرجعي الذي قاده الأتراك‬       ‫ما قدمه المغول للإنسانية قليل‬
‫بأشكالهم المختلفة لأطول فترة من‬     ‫بالنسبة للتوسع الإمبراطوري الذي‬           ‫مجرد الوجود لأصل الكيان‬
  ‫وجوده الرسمي؛ ربما منذ القرن‬         ‫كان هو الأكبر في التاريخ‪ ،‬ولم‬       ‫الرجعي بصحراء شبه الجزيرة‬
‫الثالث الهجري أو التاسع الميلادي‬    ‫يقدم العثمانيون شيئًا بعد أن قادوا‬   ‫العربية‪ .‬لكن ما دام العقل الرجعي‬
  ‫حتى نهاية ذلك الكيان‪ ،‬ولا ُيذكر‬    ‫الكيان الرجعي نحو ألف عام‪ ،‬هذا‬      ‫اختار هذا التفاضل «بأثر رجعي»‬
   ‫من حكامه إلا بضعة أفراد رعوا‬         ‫ينطبق أي ًضا على فترة الخلفاء‬     ‫فلا ب َّد أن الحق كالعادة عكس ما‬
  ‫العلوم والآداب‪ .‬وربما وجب هنا‬        ‫الموصوفين بالراشدين‪ ،‬ومعظم‬           ‫اختار‪ ،‬وهذا بعض من تجليات‬
   ‫التأكيد على أننا لا نقلل من ذلك‬   ‫أو كل فترة الحكم الأموي ومعظم‬       ‫آلية التكوين العكسي في الرجعية‬
   ‫الإسهام الحضاري‪ ،‬ولكننا ضد‬                   ‫فترة الحكم العباسي‪.‬‬       ‫الدينية‪ ،‬تفاع ًل مع حقيقة التفوق‬
   ‫التضخيم المبالغ فيه‪ ،‬والوصف‬                ‫إذن كانت هناك عظمة‬
‫المتعسف بـ«الحضارة الإسلامية»‬        ‫إمبراطورية قرشية أسا ًسا‪ ،‬عظمة‬              ‫الحضاري الحالي للغرب‪.‬‬
     ‫لكافة فترات وأشكال الوجود‬           ‫في الغزو واحتلال بلاد الغير‬          ‫ويخلط العقل الرجعي بين‬
 ‫الرسمي ‪-‬السياسي الإمبراطوري‬        ‫ونهب ثرواتها‪ ،‬ويقال «الفتوحات»‪،‬‬       ‫الوجود السياسي للكيان الرجعي‬
   ‫التوسعي‪ -‬للكيان الرجعي الذي‬      ‫باستغلال الدين ومزاعم الجهاد في‬     ‫القائم على التوسع الاستعماري من‬
 ‫أنشأه قدماء شبه الجزيرة العربية‬    ‫سبيل الله‪ .‬أما اللمحات الحضارية‪،‬‬      ‫جهة‪ ،‬والحضارة من جهة أخرى‪.‬‬
                                                                        ‫والحضارة لا تتحقق بمجرد تكوين‬
                                                                          ‫امبراطورية توسعية‪ ،‬لها قدم في‬
                                                                         ‫الصين وأخرى في إسبانيا ويقال‬
                                                                           ‫رجعيًّا الأندلس‪ ،‬الحضارة جملة‬
   135   136   137   138   139   140   141   142   143   144   145