Page 259 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 259
259 ثقافات وفنون
ثقافة شعبية
المتسولين سلوك التخزين إلى ما يس َّمى (التس ُّول العاطفي) الأفرا ِد وتكش ُف عن مدى
والاكتناز ،ولذة الاحتفاظ ،هذا وهو استجداء عواطف الناس عبر تط ُّورهم ونضجهم الانفعالي
إحسانهم ،فيلجأ بعض المتسولين والمعرفي .وقد ينص ُّب اهتمام
الذي يلعب دو ًرا في القضاء بعض الباحثين على دراسة سلوك
على مشاعر الحرمان بالامتلاك، إليه ليس لحاجتهم إلى المال التس ُّول اجتماعيًّا أو تاريخيًّا،
ويجنِّ ُبهم الشعور بالوحدة ،ويدفع فحسب ،بل من أجل الحصول على أو فهم الديناميات النفسية لك ٍّل
من المتس ِّول والمحسن ،والجدل
إلى الشعور بالتفوق .والاتجاه تلك المشاعر أي ًضا. بينهما ،والدوافع النفسية خلف
نحو المال مرتبط طب ًقا للنظرية -وسلوك التسول ينطوي
على الخضوع والتذ ُّلل ،مع عدم سلوك «الإحسان» وسلوك
الفرويدية في النمو النفسي اكتراث المتس ِّول بما يلقاه من «الكرم» فهناك فروق في البنية
بالمرحلة الشرجية حيث اللذة الص ِّد أو الرفض أو التجاهل أو
تأتي من الاحتفاظ والإبقاء على التهديد والتخويف وكأ َّنه يج ُد النفسية والثقافية بينهما.
ل َّذته في ذلك .فمازوخيته النفسية -إن العوامل المؤدية إلى
ممتلكات /محتويات الجسد تمنحه عبر التذلل مشاعر ل َّذة ،كما سلوك التس ُّول عديدة منها الفقر،
(الأمعاء الممتلئة) ،فسلوك البخل أ َّن سلوك الإلحاح في ح ِّد ذاته والتفكك الأسري ،والحرمان
يهدف إلى نفي مخاوف الوحدة العاطفي ،والإدمان ،وقد يلجأ
الشديد -على سبيل المثال- والتجاهل من خلال حصوله على آخرون إلى سلوك التسول كحرفة
مرتب ٌط بتثبيتات الفرد على رسالة مفادها( :نحن نراك ،نحن معتادة يتم تنظيم مواعيدها
نحبك ،نحن معك) فالحرمان من
صراعات تلك المرحلة ،والمتسول مشاعر الحب والحنان تجعلهم وأماكن ممارستها.
بخي ٌل على نفسه ،أسير لمظهره يبحثون عنها لدى الآخرين لتأكيد -المتسول يمتلك ذكا ًء
الر ِّث الباع ِث على الشفقة. اجتماعيًّا يساعده على معرفة
ويربط «فلوجل» بين سلوك كونهم محل حب ورعاية. قابلية الأفراد للاستجابة له فيلجأ
التعامل مع المال ومخاوف -وفي مست ًوى آخر قد يشعر إلى السيدات وكبار الس ِّن وأطفال
الخصاء عن طريق اصطلاح المدارس والمراهقين مع ِّو ًل على
«الفقد» ،أي فقد القدرة أو المتسول بالتفوق والنجاح في تلك المراحل العمرية أكثر من
العضو بر َّمته على نحو رمزي لا امتلاكه قدرة تأثيرية على الآخر، غيرها .ولديه الثقة في أن الجانب
شعوري. برضوخ الأفراد لرغبته وضعفهم الوجداني /الانفعالى هو مدخله
فالمال يمنح الإحساس النفسي تجاه إلحاحه ،في علاقة
بالأمن والقوة والحب ،والحرية إلى اكتساب تعاطفهم.
والإشباع ،والقدرة المطلقة سادمازوخية مستم َّرة. -سلوك التسول سلو ٌك
على التح ُّكم والسيطرة .ويجد -كما أن استجداء المال فع ٌل اعتماد ٌّي ،فمعظم المتسولين لديهم
المتسولون في سلوك الادخار أخذ ُيشبع به المتسول حاجاته هشاشة أنا تجعلهم يركنون إلى
القهري لذ ًة ومتع ًة تعويضية عن الأساسية ،وقد يزيد عليه اكتنازه الكسل والحصول على المال
غياب معادلات أخرى للسعادة للمال بهدف تخفيف قلقه الداخلي بطرق أسهل دون بذل الجهد أو
وامتلاك فر ٍص في الحياة (العلم نحو المستقبل ،إلا أنها دائرة جوع البحث عن عمل ،كما أن سلوكهم
والعمل). لا تشبع ،وكأن ما يمنح له يسقط أناني وعدائي نحو المجتمع ،حيث
يتق َّدم فيه الخاص على العام،
-كما أن الأفراد غير المندمجين في فراغ نفسي لا يمتلئ أب ًدا، يتَّضح ذلك في استغلال المتسول
اجتماعيًّا -كالمتسولين -لا فالحاجة إلى المال أولوية نفسية للطرق والمنشآت والحدائق
يجدون خج ًل من التس ُّول وأماكن العباده لأداء سلوكه.
وغالبيتهم يميلون إلى إخفاء في سلوك التسول. -وقد يدفع الجوع العاطف ُّي
هويتهم ،إما بإخفاء الوجه أو -كما أن سلوك التسول
التكراري غير قادر على بعث
التس ُّول في أماك َن بعيد ٍة عن محا ِّل الطمأنينة .ويشيع لدى بعض
إقامتهم تجنبًا للتع ُّرف عليهم