Page 261 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 261
261 ثقافات وفنون
مسرح
عدائه المستحكم المتحدة الأمريكية ما بين عامي
1915و ،1931وهو عام وفاته.
للإمبراطورية العثمانية
وتعد المسرحية ،التي تتكون
التي استعمرت لبنان، من فصلين ،احتفا ًء بأكثر كتب
وفرضت عليه التخلف الشاعر شعبي ًة شر ًقا وغر ًبا،
ألا وهو كتابه «النبي» .وتتناول
الاقتصادي والفكري، المسرحية العلاقة الإنسانية بين
الشاعر وأخته ماريانا ،وصراعهما
كما يجهر علانية
في ظل ظروف بالغة القسوة
في وجه سفير تلك بالحي الصيني في مدينة بوسطن
الدولة ،هاز ًئا بوعيده الأمريكية ،كلاجئين في أفقر
وتهديده ،ومدر ًكا أنه وأقذر منطقة عشوائية في وطنهما
تحت المراقبة الأمنية الجديد.
نسمع أصوات لغط وضجيج
للسلطات العثمانية حتى في الحي المحيط باستديو جبران
خليل جبران ،حيث يرسم وينتج
في غربته في بوسطن أشعاره الخالدة ،ونرى جبران
منكبًّا على رسم الموديل الحسناء
ميخائيل نعيمة نديم صوالحة بالولايات المتحدة. جوزفين ،المعجبة بالشاعر الفنان.
ويضيق الشاعر ذر ًعا
في المشهد الخامس من الفصل تصبح نجمة مشهورة وثرية ،دون أما ماريانا ،الشقيقة الصغرى
لجبران الشاعر ،فتبدو ثائرة
الأول بأحد مواطنيه ،وهو مرزوق أن تدرك ،ولو لحظة ،زيف مثل هذا ومحبطة ،ضجرة من فقرهما
المدقع ،راجي ًة الكاتب إما أن يتزوج
اللبناني الأصل ،الذي يطمع الحلم. من إحدى معجباته الكثيرات من
الأغنياء ،أو أن يستغل موهبته
يتع َّمق إحساسنا بعزلة جبران في استغلال الشاعر من خلال للقيام بتنفيذ لوحات تجارية،
تكفيهما شر العوز ،وتتيح لهما
إقناعه بالانتفاع بموهبته اللفظية خليل جبران حتى وهو في محرابه حيا ًة أكثر رقيًّا من تلك التي
يعيشونها .إلا أن المسرحية تصور
في الدعاية للمنتجات التجارية ،الفني مع ماريانا ،البقية الباقية الشاعر مدر ًكا لقدسية رسالته
الفنية ،ومترف ًعا عن الحاجات
من عائلته ،ومعهما صديقه الأوحد أو التعليق على صور إباحية، المادية ،بل ومحتق ًرا للمادية
الغربية عمو ًما ،وسيطرتها على
بل والتخلي عن وطنيته بالعمل منذ طفولتهما في مرج عيون، الفكر والفن بأمريكا خا َّص ًة.
ولربما قد أسهم ذلك في إدمان
سليم والذي كان يستكمل دراسته لمصلحة الشركات الأمريكية شخصية الشاعر في المسرحية
للخمر ،وعزوفه عن الطعام،
العاملة في مجال البترول ،والتي الجامعية بأمريكا .ويشارك وانكبابه بشراهة على التدخين.
تستغل الذهب الأسود ضد مصالح سليم العائلة وجبتها الوحيدة من تظهر وطنية الشاعر في
العرب .ولا تقل مواجهة الشاعر «المحشي» ،ويتفق مع ماريانا في
للرئيس الأمريكي ذاته في المشهد تحديها لإيمان جبران بالثورة من
الرابع حدة عن مواجهته مع ابن أجل شعب لبنان ،متسائ ًل« :ومن
هم شعبنا بالله عليك؟ العثمانيون؟ بلدته أو السفير العثماني.
الأكراد؟ الدروز؟ المارونيون؟ وتتهم ماريانا أخاها بخيانة
المسيحيون؟ المسلمون؟ السنة؟ العائلة ،حيث إنها كانت قد
الشيعة؟ تذكر أننا ما رحلنا إلا اضطلعت وحدها بتمريض كل
من أختهما وأخيهما ،بل وأمهما ،للفرار من الطائفية المجنونة
وجزاريها ،والجوع والفئران والبق حيث قضوا جمي ًعا ضحايا
للسل والسرطان .ورغم قسوتها والآفات والحشرات» ( ،26ترجمة
الكاتب). ومجابهتها لأخيها الفنان ،فإن
ويشترك الجميع –بالطبع– في ماريانا تعكس شخصية تلك
الفتاة الشرقية البريئة التي كانت الحنين إلى العودة لأرض الوطن،
قد آمنت بالحلم الأمريكي ،وبأن ونلمس تعلق سليم بماريانا،