Page 263 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 263
263 ثقافات وفنون
مسرح
كان جبران خليل جبران بالطبع متذمًرا عامة ،متتبعة الشاعر الكبير،
من براجماتية الحضارة الأمريكية برغم أنه ي ّدعي أنه لم يتذكرها،
وماديتها ،إلا أنه كان ممتًّنا أشد بل ويسخر من تجاربها الروحية،
الامتنان لصداقة ماري هاسكل واهتمامها البالغ بعمل أدبي نادر،
كان ينتوي كتابته قبل أن تحترق
وتشجيعها الدائم ،بل ومساندتها بعض قصاصات منه ،مما أدى إلى
المادية لكل مجهوداته الفنية من رفضه إعادة كتابتها ،وانصرافه
انتقاله إلى نيويورك ،إلى سفره لفرنسا،
عن استكمال ذلك العمل.
حيث تعرف على أعظم مثقفيها، تغتبط ماريانا لمعرفتها بعلاقة
من شعراء وفنانين تشكيليين
أخيها بتلك السيدة الثرية التي
ثالث شخصية محورية في حياة مكتبته الغنية تحت تصرف الشاعر تنتمي لعائلة عريقة الأصل ،ومن
الشاعر ،وحبه الوحيد طيلة عشرين الشاب ،بل وابتاع منه بعض
الطريف أن جبران كان يفاخر
سنة من عمره ،ألا وهي الأديبة الأعمال كأغلفة للكتب التي كان ماري هاسكل بانتمائه لعائلة من
الفذة م ّي زيادة ،التي لم يقابلها يقوم بنشرها .كما شجع الشاعر
إطلا ًقا ،إلا أن الشعر والأدب جعل الصغير على العودة إلى موطنه أثرياء وأمراء الشرق .و ُيظ ِهر
الأصلي لاتقان اللغة العربية حيث الصوالحة شخصية جبران على أنه
منهما أعظم أدباء العصر. أنه آمن بقدرته على أن يكون من
لاقت مسرحية نديم صوالحة صريح لدرجة الوقاحة ،وف ًّظا في
«استراحة على متن الريح» نجا ًحا أهم شعرائها. طريقة تعامله مع ماري وأصدقائها
أما ماري هاسكل ،فتواجه
كبي ًرا حين عرضت بإنجلترا، توكيد ماريانا ،شقيقة الشاعر، من صفوة أمريكا المثقفة ،دون
وطاف العرض المسرحي عدة بأنه ينتمي إلى لبنان ،بأن عبقريته استفزاز أو عداء مضمر من
مدن إنجليزية ،قبل أن ينتقل إلى ملك للعالم أجمع ،كما يؤكد الفصل
الولايات المتحدة .ويمثل عرضها الأخير من المسرحية على ذلك، جانبهم .وكان جبران خليل جبران
بلبنان ودول الخليج عودة الشاعر حين نرى شا ًّبا وفتاة في مقتبل بالطبع متذم ًرا من براجماتية
لأرضه بالمشرق العربي ،وح ْسب العمر ،يستلهمان «النبي» بامتنان الحضارة الأمريكية وماديتها،
نديم صوالحة أن قدم في القرن وعرفان ،لمثاليته في عالم بلا إلا أنه كان ممتنًّا أشد الامتنان
الحادي والعشرين برها ًنا فنيًّا مبادئ عليا .ونرى جبران مؤك ًدا
جدي ًدا على قدرة شاعر عربي من أنه ما كان ينطق باسم المصطفى لصداقة ماري هاسكل وتشجيعها
بشري ،أفقر بقاع جبل لبنان ،على دون إلهام ماري التي يطلق عليها الدائم ،بل ومساندتها المادية لكل
أن يصبح مصدر إلهام للملايين الميترا– كتابه الفذ .ومن الطريف
على مدى قرن من الزمان ،بأصالة أن كاتب المسرحية لا يأتي على مجهوداته الفنية من انتقاله إلى
نيويورك ،إلى سفره لفرنسا ،حيث
تتجدد يو ًما بعد يوم
تعرف على أعظم مثقفيها ،من
شعراء وفنانين تشكيليين ،كان لهم
أكبر الأثر في تنمية أسلوبه الفني،
كتاب ًة ورس ًما.
وقد استمر صوالحة على نفس
النهج في تصويره لعلاقة الفنان
بشخصية ألبرت (فريد هولنداي–
المصور الفوتوغرافي) .ولا ننكر
أن شخصية المثقف الغني هذه،
وإن انتابها بعض الغرابة ،قد لعبت
دو ًرا حيو ًّيا ومؤث ًرا في بدايات
حياة جبران ،فوضع المصور