Page 74 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 74

‫العـدد ‪١٩‬‬   ‫‪74‬‬

                                                       ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

    ‫كانت هي الشاهد عل َّي بما يحول دون أن أصبح‬             ‫المضيئة التي لا تموت‪ .‬لم أ َر إحداها ميتة‪ ،‬أب ًدا‪.‬‬
‫مثلها‪ ،‬وقد تكون هنا في لحظة موتي‪ ،‬لترى انتقالي‬         ‫هل تموت الأرواح! أتتح َّمل ك َّل هذه المشقة بعدما‬
‫إلى جحيمي الأخروي‪ ،‬في هدوء الناسك‪ ،‬وتدعو لي‬            ‫عاينت مو ًتا ساب ًقا‪ ،‬وتل ُّبسها ذلك الجسم الأحادي ذا‬

                        ‫بالغفران بعد طول عذاب‪.‬‬                          ‫الجناحين‪ ،‬لأجل أن تموت‪ ،‬ثانية!‬
   ‫حاولت أن أخاطب أ ًّيا منها‪ ،‬أحكي لها ع َّما أظن‬
    ‫أنها لم تره‪ ،‬تلك الخطايا التي أرتكبها هناك‪ ،‬في‬        ‫أفكر أحيا ًنا لو أ َّنها جدتي‪ ،‬التي أحبب ُتها كثي ًرا‪،‬‬
 ‫الخارج‪ ،‬بعي ًدا عنها‪ ،‬اقتربت من إحداها‪ ،‬كانت أكبر‬     ‫كانت الملهمة لي في صباي‪ ،‬ولعله جدي‪ ،‬الذي ق َّص‬
 ‫قلي ًل من الفراشات الأخرى‪ ،‬دنوت بعيني إليها‪ ،‬بل‬
 ‫إليهما! كانتا فراشتين‪ ،‬اثنتين‪ ،‬تتسافدان في هدوء‪،‬‬         ‫عل َّي الكثير من حكايات ماضيه البعيد‪ .‬مؤ َّكد هما‬
                                                         ‫جداي‪ ،‬فهما من الأرواح التي تستح ُّق أن تستحيل‬
                                      ‫بلا حركة‪.‬‬
  ‫تساءلت إن كانت الأرواح تتضاجع! أو أنها في‬                 ‫فراشات‪ ،‬لعلهما حين لا يكونان هنا‪ ،‬بجواري‪،‬‬
   ‫حاجة إلى التناسل‪ ،‬أو ُتع َنى بل َّذة الجسد! لم أجد‬
                                                       ‫يكونان هناك؛ في جنة عرضها السماوات والأرض‪،‬‬
     ‫في نفسي ر ًّدا‪ ،‬فقط إحساس ُم ٌّر بالش ِّك‪ ،‬تفكير‬
‫مضطرب حول طبيعة تلك الأرواح الذهبية‪ ،‬وتساؤل‬            ‫يا لها من مساحة تنعم فيها فراشات صغيرة‪ ،‬لا ب َّد‬
 ‫حول حقيقة الفراشات القمحية التي تمارس متعتها‬           ‫وأنهما يصيران طائري بجع‪ ،‬أو فرسين مجنحين؛‬

  ‫الحسية‪ ،‬تملأ الفراغات من حولي‪ ،‬تزاحم جسدي‬                       ‫ليتمكنا من التجوال عبر هذه المسافات‪.‬‬
                                  ‫بدنيوية خافية‪.‬‬
                                                          ‫ُترى هل سيصير لي مثل أجنحتهما‪ ،‬لا أظنني‬
       ‫صرت أرقبها‪ ،‬أثيرها‪ ،‬أدفعها نحو النوافذ‬          ‫ممن سيصيرون ُبرا ًقا‪ ،‬ولا أظن أني سأكون فراشة‬
        ‫المفتوحة على الدنيا‪ ،‬أو أصرعها في هدوء‪.‬‬         ‫أب ًدا؛ فهذا زمن لن نخلص فيه من الخطيئة حتى إذا‬

                                                               ‫اجتزناه نو ًما‪ ،‬إذ كيف سننجو من أحلامنا‪.‬‬
                                                             ‫ربما أستحيل ذبابة مزعجة أو حرباء تمرح‬

                                                           ‫بمخاوفها المتل ِّونة‪ ،‬في إحدى الغابات‪ ،‬أي شيء‬
                                                                           ‫سوى أن أكون فراشة‪ ،‬أو أي‬

                                                                                   ‫جسم رهيف يتضمن‬

                                                                                     ‫رو ًحا‪ ،‬أو ن ْف ًسا من‬
                                                                                                  ‫نور‪.‬‬

                                                                                    ‫كنت أفكر في تلك‬

                                                                                    ‫الفراشات التي تملأ‬

                                                                            ‫حجرتي‪ ،‬لقد عرفت مصيرها‬

                                                                         ‫وأدركته‪ ،‬لا يزعجها شيء‪ ،‬ربما‬
   69   70   71   72   73   74   75   76   77   78   79