Page 101 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 101

‫‪99‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

                                                                    ‫محمد فيض خالد‬

                                                                     ‫فأر ال َحضرة‬

  ‫رأت وكأ َّن طائ ًرا َخ َر َج منها‪ ،‬يضر ُب بجناحين عريضين‬              ‫َه َت َف قلبه وتراقص برؤيا الأعلام وتعانقها‪ ،‬ومع دق‬
 ‫َسقف الجريد‪ ،‬يملأ البي َت نو ًرا قب َل أن ينساح في ال َفضا ِء‪،‬‬       ‫ال ُّطبول ازدا َد َطر ًبا‪ ،‬امتلأت ال ّدروب برجا ٍل في وجوههم‬
  ‫كاشفها الشيخ سويلم خادم ضريح سيدي المغربي بأ َّن‬                  ‫لميسلراةحقارلنيبص اسيل‪،‬تفارش َسح‪،‬تف زشماان َهطحامالل ُّتظَجارملبُعفي‪،‬وَح ُتمسارمًعسعاا َنفرايئماعحفِةظو(هيارٍةلتَّ َتتقلقاي َحفة َ)زولأهمحمعاديث‬
 ‫لابنها شأن ينتظره‪ ،‬ولا ب َّد أن تنذر ُه لخدم ِة الحضرة‪ ،‬لم‬          ‫ال ِّرفا ِق‪ ،‬اكتم َل المشهد بعربا ِت ال َغ َجر تجرها البغال تحم ُل‬
 ‫تكن رواية ال ُّرؤيا غير خيا ٍل نسجته‪ ،‬استطاعت أن تحج َز‬              ‫المراجيح وطاولات (البخت) والنيشان‪ ،‬هناك في الحقو ِل‬
‫مبك ًرا مكا ًنا لائ ًقا لابنها بين رجالها‪ ،‬هي تعلم أ َّن الحضرة‬     ‫البور ُنصبت في انتظار إشارة البدء‪ ،‬كفكفت مدامعها‬
                                                                       ‫سعدية بائعة الجاز كم ًدا وحسرة‪ ،‬فابنها عبد المعطي‬
    ‫تفي ُض لبنًا وعس ًل ويا سعد من جاو َر ال ُّسعداء‪ ،‬تح َت‬         ‫يقضي أيام خدمته العسكرية في ال ّسوي ِس‪ ،‬س ُيحرم عامه‬
 ‫وهج الكلوبات علت رغوة بيضاء‪ ،‬خلي ٌط قالوا عنه شراب‬
                                                                      ‫الثاني من حضو ِر الليلة وهذا نذير شؤ ٍم‪ ،‬ليلة الجمعة‬
     ‫شيخ الحضرة‪ ،‬ضر َب بكفه‪ ،‬دوى متتاب ًعا في المكان‪،‬‬               ‫د ّبت الحركة أرجاء القرية‪ ،‬على ضو ِء الكلوبات وفحيحها‬
  ‫شرعت الأجساد في تماي ٍل خفيف‪ ،‬تط ّوحت الأذرع قلي ًل‪،‬‬
 ‫سارع صاحبنا في إنشاده بصو ٍت ندي‪ ،‬ومن تحته صب ُّي ُه‬                ‫المُنعش‪ ،‬راجت حركة البيع وال ّشراء‪ ،‬وعلى وقع نداءات‬
   ‫يم ُّده بكؤوسه‪ ،‬استوى ال ُأنس والتّجلي‪ ،‬حمي الوطيس‪،‬‬              ‫الباعة ولغط الحديث انقلب المكان ساحة من ساحات البيع‬
 ‫تعالت زومة ال ّصدور‪ ،‬وبنغ ٍم موحد تردد‪« :‬حي حي حي‬                  ‫الكبرى‪ ،‬العتبة‪ ،‬أو ميدان الحبشي‪ ،‬تفيض الحنوك تمضغ‬
  ‫حي»‪ .‬ح ّذرته أمه مرا ًرا‪ ،‬جأرت بم ِّر الشكوى‪« :‬لا تذهب‬            ‫ما ُيلقى إليها‪ ،‬يتبارى ال ّصغار في طح ِن كرات الكرملة‬
                                                                              ‫وأصابع الموز وحبات البرقوق بلا هوادة‪.‬‬
    ‫للحضرة»‪ ،‬لكن دون جدوى‪ ،‬وكلما تق ّدم خطوة زادت‬                   ‫لا يقطع نشوتهم إ ّل صوت محروس الخفير ال ّسمج؛ كأ َّن‬
 ‫حمأة الانتشاء‪ ،‬في تو ُّج ٍس طا َف بالأطرا ِف‪ ،‬تساقط القوم‬          ‫من عبوسه لم ُتخلق ملامحه للبسما ِت‪ ،‬كلَّفته النقطة حفظ‬
                                                                    ‫الب ُّنرفوو ٍدذ‪َ ،‬ي ُيحطوا ُلِمعمفنتاةحنوا ِلهادلبتافع ّةجرفيجأُ َبسهدةهاالإ ُّسغلراطءة‪،‬‬  ‫النظام‪ ،‬في‬
     ‫صرعى كأ َّنهم أعجاز نخل خاوية‪ ،‬يعالجونهم بقط ِع‬                                                                                                          ‫وغطرسة‬
 ‫البصل فيعودون لما كانوا وكأ َّنما نشطوا لوقتهم‪ ،‬تش َّجع‬            ‫تستخر ُج ال َّشهوة من َقرارا ِت النّفوس‪ ،‬يجيبها بشتائ ٍم من‬
  ‫فتوغل بي َن ال ِّسيقان‪ ،‬تزحزح حتى المنتصف‪ ،‬و ِف رأسه‬              ‫رف ِث القول‪« :‬امشي ِعدل بلاش تتقصعي زي غوازي ببا»‪،‬‬
 ‫بقايا من غواي ٍة‪« :‬وسط الحضرة تتساقط القروش وقطع‬                   ‫ُيم ِّرر‬  ‫َخيرا ِت المكان‪،‬‬  ‫عام ًدا يتعثَّر في خطوات ِه؛ لي َنا َل من‬
 ‫النقدية الفضة من الجيو ِب‪ ،‬هي ثروة لمن ُيجا ِزف»‪ ،‬تفيقه‬            ‫الآمر‬     ‫من حوله بأ َّنه‬   ‫كف ُه حول كرنيف ِة البندقية‪ُ ،‬يطمئن‬
  ‫صرخات صاحبنا‪« :‬اخشع بقلبك يا مؤمن وحد وسلم»‪.‬‬                      ‫النَّاهي‪ ،‬في الهزيع الأخير من اللي ِل َتثَّاقل الحركة‪ ،‬ينكمش‬
 ‫تزداد نشوة القوم في افتعا ٍل ممجوج‪ ،‬تساءل في دخيلت ِه‪:‬‬             ‫المارة‪ ،‬يتحلَّق الشباب حول بائع القصب في ِسبا ٍق محموم‬
‫«لماذا لا يطرد سيدنا هؤلاء من الحضرة؟!»‪ ،‬فاته أ َّن سيدنا‬           ‫لم ِّص أعواده‪ ،‬ساعتئ ٍذ ُي َسا ِرع ال ِّرجال صوب الحضرة‬
 ‫قد انشغ َل في جم ِع نفحات المحبين‪ ،‬بعد جه ٍد جهيد جذبه‬             ‫تُفمع ُيلونلابِّهقيف‪:‬دني«اإابللَّنقنِّمدأقواذممء‪،‬هو ُيبيٍوافتلِهعاغبرلتوىهحلصاهالانتححيفب‪،‬ان‪:‬اضرط«فاِةوليم ًعُدمتادذجتينوكاقايا ِدرندملفجاهيخلااألارأحللججهشها‪،‬اسلئمايهددام‪،‬د ُّط»قج‪،‬انرليمقنوًاابع‪،‬ته‬
 ‫المشهد‪ ،‬انتظ َم بين ال ُّصفو ِف‪ ،‬ح ّرك ذراعي ِه يمينًا وشما ًل‪،‬‬
  ‫فجأة اظلمت ال ُّدنيا من َحول ِه‪ ،‬دارت رأسه‪ ،‬تتابع ومي ٌض‬
   ‫ُم َتق ِّط ٌع ثم غا َب في سكون ِه‪ ،‬وعند ال َّصباح أقعدته والدته‬
‫وابتسامة التَّشفي تزايلها‪َ ،‬نظ َر إليها نظر المغش ِّي علي ِه من‬
 ‫الموت‪ ،‬على ما يبدو أن يد أحدهم طاشت فأصابته‪ ،‬بعدما‬

                       ‫حلَّت في صاحبها أنوار التّجلي‪.‬‬
   96   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106