Page 98 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 98

‫العـدد ‪37‬‬   ‫‪96‬‬

                                                     ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬

   ‫كل واحد منكم إلى أنبوب عامودي بمفرده‪ ،‬سعيد‬
‫الحظ سيدخل إلى الكبسولة الفضائية لينضم إلينا مع‬

   ‫المختارين من أرض أبناء أوروبا في رحلة طويلة»‪.‬‬
  ‫قال مهدي في غضب ونفاذ صبر‪« :‬ماذا عن البقية؟‬
  ‫لماذا ندخل إلى أنبوب عامودي بد ًل من إعلان اسم‬
   ‫المختار في العلن مثلما فعلتم الأسابيع الماضية مع‬

                                     ‫المتأهلين؟»‪.‬‬
   ‫تابع الصوت الصادر من المذياع كلامه بلا مبالاة‬
 ‫بتساؤلات مهدي‪« :‬أما من لم يحالفهم الحظ فسوف‬
‫يأخذون متعلقاتهم عند البوابة الخارجية للوكالة مع‬

                            ‫وجبة عشاء وداعية»‪.‬‬
   ‫قال مهدي بامتعاض وسخرية‪« :‬ومن سيكون له‬

      ‫شهية لتناول لقمة لو خرج من هنا خاس ًرا؟»‪.‬‬
‫لأول مره منذ ساعات تفارق يد صمود يدي‪ ،‬تعانقنا‬

     ‫أنا وهو سري ًعا تحسبًا لفراق أحدنا للأخر‪ ،‬بعد‬
 ‫دقائق همس لي‪« :‬لو اختاروني سأرفض وأطلب أن‬

                               ‫تسافري مكاني»‪.‬‬
                        ‫قلت بصوت عا ٍل‪« :‬إياك»‪.‬‬
  ‫ثم تفرق أربعتنا وانطلق كل واحد منا داخل انبوب‬
 ‫ضيق مختنق‪ ،‬تحرك للأسفل قلي ًل ثم صعد مندف ًعا‬
   ‫إلى الأعلى‪ ،‬وقفت وحيدة أرتعش‪ ،‬كاد قلبي يسقط‬
  ‫من مكانه‪ ،‬توقف الأنبوب و ُفتح الباب بتثاقل لأجد‬
    ‫الإسفلت الأسود من أمامي وفوقه سماء سوداء‬
 ‫تتداخل معها شعيرات عملاقة متشابكة من اللونين‬
    ‫الأحمر والأصفر‪ ،‬وكأن النيزك يقول لنا‪« :‬ها أنا‬
            ‫قادم إليكم يا حثالة الكوكب‪ ،‬استعدوا»‪.‬‬
    ‫ساحة الوكالة الخارجية أشد برودة من الداخل‪،‬‬
 ‫عن يميني ُفتح أنبوب خرجت منه اعتزال وعلامات‬
   ‫الذهول تغطي وجهها الشاحب‪ ،‬وعن يساري فتح‬
 ‫باب أنبوب آخر خرج منه مهدي الذي ُصعق عندما‬
  ‫نظر إلى السماء ثم إلى وجه كل واحدة منا‪ ،‬أما باب‬
  ‫الأنبوب الخاص بصمود فظل مغل ًقا‪ ،‬انتظرت قلي ًل‬
                       ‫لكنه لم ُيفتح‪ ،‬لقد اختاروه‪.‬‬
      ‫صاح مهدي بأعلى صوته ناظ ًرا للأفق البعيد‪:‬‬
                       ‫«لنحترق جمي ًعا‪ ،‬لنحترق»‪.‬‬
      ‫وكلما كرر مهدي صيحاته زاد صوت تمتمات‬
     ‫اعتزال ورجفة جسدها‪ ،‬وكأنها أرادت احتضان‬
                ‫جسدها الضئيل والاختباء بداخله‪.‬‬
  ‫«هنيئًا لأخي ِك يا حزينة»‪ ..‬وأطلق ضحكات يشوبها‬

                               ‫الشماتة والغضب‪.‬‬
       ‫«يجب أن يتقبل كل فر ٍد منا القرار»‪ :‬قلتها في‬
   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103