Page 93 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 93

‫‪91‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

                             ‫ابتسم الرجل قائ ًل‪:‬‬
     ‫لا تقلقي‪ ،‬لقد وجدته واحتفظت لك به‪ .‬صوتك‬
 ‫معي‪ ..‬أعتني به جي ًدا من يومها‪ .‬لم أفرط فيه أب ًدا‪..‬‬
  ‫كنت في انتظارك‪ ..‬كنت متأك ًدا من أنك ستعودين‬
      ‫للبحث عنه حين يحين الوقت‪ ..‬ابتسمت المرأة‬
 ‫وتمكنت أخي ًرا من فتح فمها والنطق ببعض كلمات‬
‫الشكر والامتنان‪ ..‬اعتذر الرجل منها‪ ،‬لأنه لم يتمكن‬
 ‫من سماعها‪ ،‬لكنه حاول قراءة شفتيها اللتين نطقتا‬

         ‫بالكلمات ذاتها مجد ًدا وتف َّهم أنها تشكره‪.‬‬
     ‫أدهشها كونه الوحيد الذي لم يسمع صوتها‪..‬‬
‫ورغم ذلك لم تقرر الذهاب معه‪ ،‬إلا بعدما طلبت منه‬
   ‫بلغة الإشارة أن يصف لها الصوت الذي وجده‪،‬‬
  ‫خشية أن تكون خدعة منه‪ ،‬خاصة أنها لم تتعرف‬

                 ‫عليه بما يكفي‪ ،‬كي تمنحه ثقتها‪.‬‬
‫فهم الرجل السؤال ولكنه أعاده عليها بلغة الكلمات‪،‬‬
‫كي يتأكد من صحة فهمه‪ ،‬فهزت رأسها بالإيجاب‪..‬‬

     ‫وقتها نظر الرجل في عينيها ولم يفه بأي كلمة‬
  ‫سوى أنه بكى‪ ..‬تأثرت المرأة لبكائه الذي ازدادت‬

    ‫حدته قلي ًل حتى تحول إلى نشيج أشبه بالغناء‪.‬‬
     ‫لم تعرف هل هذا النحيب كان وسيلته لوصف‬
   ‫صوتها‪ ،‬أم أنه كان ينتحب بالفعل‪ .‬لكنها على كل‬

           ‫حال كانت قد اتخذت قرارها بأن تتبعه‪.‬‬
   ‫قامت‪ ،‬ونفضت ملابسها الرطبة من الرمال التي‬
    ‫التصقت بها‪ ،‬سبقها في المشي بخطوتين‪ ،‬بعدما‬
   ‫أخبرها أنه يقيم في أحد الأكواخ الخشبية القريبة‬
   ‫من هذا الشاطيء وأن صوتها هناك في الانتظار‪.‬‬
  ‫بينما كانت تتبع الرجل شعرت بحميمية غريبة لم‬
  ‫تعرف مصدرها‪ ..‬وصلت معه إلى الكوخ‪ .‬أجلسها‬
   ‫على مقعد مصنوع من الخيزران‪ ..‬كان موظ ًفا في‬
    ‫شركة الكهرباء‪ ،‬هجرته زوجته مصطحبة طفله‬
  ‫الوحيد‪ ،‬بعدما ملت منه‪ .‬كان مري ًضا بالأصوات‪..‬‬
  ‫يسمع أدق الأصوات‪ .‬أقل الترددات الصوتية تثير‬
   ‫إزعاجه‪ ،‬تسبب له آلا ًما حادة في الرأس‪ ..‬يمسك‬
  ‫وقتها رأسه بكفيه ويظل يضغط عليها‪ ،‬حتى يكاد‬
   ‫يكسرها‪ .‬يجز على أسنانه‪ ،‬يتألم ويصرخ‪ .‬أحيا ًنا‬
 ‫كان يدخل في نوبات من التشنج تنتهي بفقدان تام‬
 ‫للوعي‪ ..‬زار العديد من الأطباء دون جدوى‪ .‬دعمته‬
 ‫زوجته في محاولاتها المتكررة للتخفيف عنه‪ ..‬كانت‬
 ‫لا تحادثه إلا هم ًسا‪ ..‬تتمشى في البيت على أطراف‬
 ‫أصابعها‪ ..‬لا تفتح أو توصد الأبواب أو الشبابيك‪..‬‬
   ‫حتى أواني الطهي‪ ..‬كانت شديدة الحرص في ألا‬
   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98