Page 88 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 88

‫العـدد ‪37‬‬   ‫‪86‬‬

                                                    ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬

‫تيسير النجار‬

‫أصفر داكن‬

       ‫الشعيرات السوداء التي صارت ملحوظة‪ ،‬لم‬        ‫استيقظت السيدة صباح‪ ،‬وهي تشعر بصداع يقسم‬
     ‫تستخدم الحلاوة منذ زمن‪ ،‬صارت تعتمد على‬            ‫جمجمتها كأنها لم تنم من الأساس‪ ،‬أيقظت ملك‬
 ‫الكريم لإزالة شعر أبطيها وعانتها‪ ،‬برقت في ذهنها‬       ‫وأعدت الإفطار‪ ،‬وجهزتها للمدرسة‪ ،‬كانت تعمل‬

              ‫الفكرة‪ ،‬لماذا لا تدلل جسدها مجد ًدا؟‬   ‫كل الأشياء بلا روح‪ ،‬حتى صغيرتها التي بالصف‬
   ‫تذكرت مراهقتها وحرمانها من تنظيف حواجبها‬           ‫الثالث الابتدائي سألتها عما بها‪ ،‬فابتسمت صباح‬
    ‫ونتف شاربها‪ ،‬كانت تبدو مضحكة فهي غزيرة‬
 ‫الشعر‪ ،‬فعلتها لأول مرة بماكينة حلاقة والدها‪ ،‬ثم‬         ‫وضمت ابنتها إلى صدرها ثم زفرت وقالت‪ :‬لا‬
                                                                                             ‫شيء‪.‬‬
                         ‫صارت تستخدم الموس‪.‬‬
 ‫وابتسمت عندما استحضرت المشهد‪ ،‬ورأت نفسها‬            ‫ودعت طفلتها‪ ،‬ثم أغلقت الباب‪ ،‬وعجزت عن النوم‬
                                                                                        ‫مرة أخرى‪.‬‬
   ‫مثل الطيف‪ ،‬بيدها الصغيرة والموس في قبضتها‪،‬‬
       ‫وجرح فوق شفتها العليا‪ ،‬والدم‪ ،‬هرولت إلى‬         ‫لن تذهب اليوم إلى محل الملابس الذي تعمل به‪،‬‬
                                                      ‫هكذا قررت فجأة‪ ،‬ثم أرسلت رسالة عبر الواتس‬
     ‫الثلاجة ووضعت قطعة ثلج حتى يتوقف الدم‪.‬‬          ‫آب لصاحب المحل أنها مريضة‪ ،‬تعرف أن زميلتها‬
        ‫الدم دائ ًما يفيض من جسدها فجأة ويفسد‬
       ‫لحظاتها‪ ،‬قبيل زفافها‪ ،‬اجتمعت بنات العائلة‬         ‫في العمل هالة ستكون موجودة‪ ،‬بالإضافة إلى‬
                                                     ‫البنات الأخريات لكنها ليست على صلة قوية بهن‪.‬‬
 ‫وجهزن عجينة السكر‪ ،‬وكلما فردت إحداهن قطعة‬          ‫خلعت جلبابها ووقفت في الصالة بقميصها الداخلي‪،‬‬
      ‫على جسدها يلتهب ويحمر‪ ،‬وتظهر نقاط الدم‬        ‫له حمالات رفيعة ويصل إلى فوق ركبتها‪ ،‬لونه بيج‬

   ‫متفرقة على سطح جلدها‪ ،‬لا بد أن يبرد جسدها‬           ‫من الساتان‪ ،‬ضمت ذراعيها إليها‪ ،‬كأنها تحضن‬
 ‫بعد الحلاوة‪ ،‬حتى تظهر الحناء عند رسمها‪ ،‬وذلك‬        ‫ذاتها وبكت‪ ،‬ثم ركعت على السجادة وتكورت مثل‬
                                                     ‫الجنين‪ ،‬ودموعها تقطر على السجادة‪ ،‬تحول لونها‬
                      ‫يحتاج إلى يومين على الأقل‪.‬‬
  ‫ثم فركن جسدها بمطحون الأرز والترمس‪ ،‬كانت‬                                    ‫الأحمر إلى أكثر قتامة‪.‬‬
  ‫تتألم وتعض شفتيها بصمت‪ ،‬تحملت كل ذلك من‬            ‫رنين الجرس قطع وصلة البكاء‪ ،‬ارتدت جلبابها في‬
‫أجل أن تظهر جميلة وشهية في عين هاشم زوجها‪،‬‬            ‫عجالة ووضعت الحجاب‪ ،‬وجدته صاحب العمارة‬
   ‫بكت مرة أخرى حتى انتفض جسدها من قسوة‬
                                                       ‫يطالبها بالأجرة الشهرية‪ ،‬عادت إلى غرفة نومها‬
                                      ‫ذكرياتها‪.‬‬     ‫وفتحت حافظة نقودها‪ ،‬أخذت ما تحتاجه ومسحت‬
 ‫هاشم الذي ضرب جسدها الذي أعدته له‪ ،‬ضربها‬
                                                        ‫دمعتها بظهر كفها‪ ،‬راجع المبلغ بأصابع مدربة‬
   ‫ليلة الزفاف حين خافت وانكمشت حول نفسها‪،‬‬                                        ‫وأستأذنها ورحل‪.‬‬
  ‫ضربها واقتحمها بحماقة‪ ،‬إلى الدرجة التي كونت‬
    ‫بركة من الدماء أسفلها‪ ،‬وقف مرعو ًبا ثم اتصل‬            ‫جلست على الكنبة في ضجر‪ ،‬ورفعت ساقها‬
‫بأهلها ونقلوها إلى المستشفى‪ ،‬ليلة العمر تحولت إلى‬      ‫اليسرى‪ ،‬ثم كشفت ركبتها‪ ،‬تأملت آثار الجراحة‬
                                                     ‫القديمة وذكرياتها الأليمة‪ ،‬في محاولة منها لتهدئة‬
                                        ‫مأساة‪.‬‬
                                                        ‫نفسها بأن كل شيء سيمر‪ ،‬وانتبهت فجأة إلى‬
   83   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93