Page 87 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 87
85 إبداع ومبدعون
قصــة
يحيى الشيخ
(العراق)
كيوبيد
جسدي وصراخي ،واحتوى حيرتي ،وأجاب على أح ُب زيارة التماثيل في الليل ،لاعتقادي بأنها أرواح
اسئلتي بـ« :لا أعرف» .كم هو جميل أن تجيب على ممسوخة ،تستفيق بعد الظلام؛ تتحرك ،تتكلم ،تنزل
كل سؤال ،منذ ولادتك حتى مماتك ،بـ»لا اعرف»،
من منصاتها وتطارد الناس وتسلبهم ،وأحيا ًنا،
وتنجح! تكسر زجاج النوافذ وتتسلل للمخادع ،وتمارس
لا أعرف كم م َّر من الوقت وكم م َّر من ناس التفتوا
ممارسات البشر.
إلى جهة التمثال دون اهتمام لوجودي ،غير كلب دخل ُت الحديقة الملكية ،في زاويتها المطلة على نافورة
صغير ش َّم قدمي ،رفع ساقه وبال عليها ولم
كسولة ،ينتص ُب تمثال آلهة الحب كيوبيد :من
أتحرك .منظري العاري لم يستفز أح ًدا ،مع أ ّني المرمر الروماني ،عار ًيا كما خلقه ربه ،أعزل ،على
بجسد آدمي يغطيه شعر كث أسود ،وأعضائي منصة مزخرفة بأبيات للشاعر الإغريقي أُوفيد من
ليست كأعضاء التماثيل مصقولة ..لا بد أني كنت ديوانه الأشهر (مسخ الكائنات) .تأملته وقرأت
في نظرهم تمثا ًل آخر ،أو ظل كيبوبيد على الأرض.
أغراني النجاح وظلل ُت فترة طويلة ،حتى هبَّت نسمة أجمل الأشعار عنه ،وفكر ُت بتقليد وقفته ،وهو
باردة بعثت ف َّي القشعريرة ،فهرع ُت لألبس ملابسي يشير إلى قلب مجهول« :جميل أن يشير الملائكة
وأغادر ..لم أعثر على قطعة منها ،تل ّف ُّت مذعو ًرا، إلى المجهول فهذا سر من اسرارهم ،ولكن ماذا عن
الإنسان حين يشير إلى المجهول؟» .قلت في نفسي.
رأيت كيوبيد يرتديها ويولي الأدبار ،والمنصة
فارغة .فكرت بمطارة التمثال واسترد ملابسي، أغوتني فكرة تقليده ،عسى أن أدرك المجهول.
خلع ُت قميصي وعلّقته على شجرة ،خلع ُت حذائي
اعترضتني عربات النظافة ،كانت تغلق ممرات الجديد اللامع من الروغان ،ووضعته تحت القميص
الحديقة وتغسلها بخراطيم المياه ،فعد ُت واعتلي ُت على الأرض ،خلع ُت سروالي وعلقته فوق القميص،
المنصة. خلعت ملابسي الداخلية وطويتها بأناقة فائقة،
فكرت بعد يومين من ملازمة الفراش ومعاشرة على عادتي ،ووضعتها فوق الحذاء ،ووقفت تحت
القشعريرة المقززة ،العودة للمكان لأسترد ملابسي
وأطمئن على نفسي ،شاهدت كيوبيد على منصته، التمثال أقلّد وقفته تما ًما.
عار ًيا يشير إلى قلب مجهول كما رأيته أول مرة، استغرق ُت الوقت أتذكر أيام المسرح الصاخبة،
فعدت إلى البيت خائبًا .في الطريق أخذت أتذكر كم التي استهلكت حياتي كلها ،تذكرت الأدوار التي
مرة عد ُت خائبًا ،حتى وصلت ووجدت زوجتي قمت بها ،والجمهور في القاعة المعتمة لا يظهر
تولول وكأنها منيت بكارثة« :أين ملابسك التي منهم غير التماع عيونهم كما تلمع عيون الذئاب في
ارتديتها بالأمس؟» .طفقت على عادتي ،بكل جدية الليل ،والأضواء على وجهي تعشي البصر ،والعرق
وحرص ،البحث معها. يتصبب من كل مسا ٍم في جسدي.
آه ،المسرح! المكان الأجدر بالعيش ،حيث يكون فيه
المرء خارج الواقع وخارج نفسه ،فضاء استوعب