Page 90 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 90
العـدد 37 88
يناير ٢٠٢2
شيرين فتحي
الصوت المفقود
بالفزع ،بد ًل من الاطمئنان الذي كان يرومه .لدرجة «لاحظ الصغار أن صوت أمهم قد غدا أكثر جما ًل
أن جعلها تدخل في نوبة صراخ لم تهدأ منها ،إلا بعدما فقدته ..حتى أنهم صاروا يشترطون عليها
بعدما وعدها بأن يصحبها إلى طبيب مختص.. أن تغني لهم كل ليلة في ميعاد النوم ..فبدأت تغني
ذهبا أو ًل لطبيب سمعيات ،قاس لها درجة السمع أغنية تلو الأخرى ..تؤدي الأغاني دون أن تكون
رغم أنها أكدت للجميع قدرتها على سماع بقية
منتبهة لشكل الأداء ولا لدقة اللحن .لكن اللمعة
الأصوات وتمييزها .ح ّولها طبيب السمعيات لطبيب التي تلمحها في عيون الصغار ،تطمئنها أن صوتها
أذن وحنجرة والذي حولها بدوره ..لطبيب أشعة.. المفقود لم يشذ أب ًدا عن الألحان الأصلية للأغاني.
ومن بعد الأشعة ذهبت إلى طبيب أعصاب .كانت كل ليلة تفترش سرير أحدهم ،وتبدأ في وصلة
نتيجة كل الفحوصات السريرية والنفسية التي الغناء التي لا تنهيها حتى ُيغمض النوم آخر زوج
أجرتها سليمة إلى حد كبير ..فلم يأت تنقلها ما بين
العيادات المتعددة ،ولا تناولها للعديد من الأقراص من العيون الثلاثة».
والمهدئات بأية نتيجة ُتذكر .حاول زوجها أن يقنعها ابتدأت الحكاية حين استيقظت في أحد الأيام
بأن تتقبل الأمر ..إذ ربما يكون الأمر مجرد حالة بلا صو ٍت يتموج في حنجرتها .ظنت أول الأمر
مؤقتة تزول من تلقاء نفسها كما ظهرت بالضبط أنها قد أصيبت بنزلة برد إثر عودتها من البلد
دونما سبب واضح .حاول أن يداعبها ليطمئنها الساحلي الذي قضت فيه إجازة الصيف مع زوجها
قائ ًل :المهم أننا نسمع صوتك بوضوح ،ولا نفتقد وصغارها الثلاثة .لم تهتم أول الأمر بزيارة
الطبيب .ابتلعت من نفسها بعض الأقراص .اهتمت
وجودك بيننا. بتقشير البرتقال ،وتفصيصه ،شاركها الصغار
-لكني أفتقد نفسي ،أجابته بحز ٍن قاطع. في التهامه كمق ٍو طبيعي للمناعة .شربت عشرات
لم تقتنع بكلماته ،ولا حتى استطاعت أن تهدأ .بل الفناجين من أعشاب الينسون المحلاة بعسل النحل.
ظلت تبكي كل يوم بصوت خفيض .كانت تناجي وشربت فناجين أخرى من الكراوية والمريمية
الله كل يوم وتسأله ما الذنب الذي اقترفته حتى الدافئة على أمل أن تستعيد صوتها ،ولكن كل هذا
تحرمني من صوتي يارب؟ ولأن الله كان يعرف
بدا بلا جدوى.
أنها لم ترتكب أية ذنوب ..فلم يجب. أخبرت زوجها في نهاية الأمر ،بينما كانت تبكي،
كانت تخشى أن تصبح كالمرأة التي فقدت شكلها. أنها فقدت صوتها .استغرب الزوج الذي كان يسمع
صوتها بوضوح دون أدنى حشرجة أو بحة خفيفة.
تلك المرأة كان يتحول جزء منها في كل يوم إلى استخف بشكواها مؤك ًدا لها أن صوتها مسموع
دخان يطير من أمامها قبل أن يختفي تما ًما عن تما ًما .وأعاد على سمعها الجمل التي نطقتها أمامه
عينيها .اختفت أجزاء المرأة واح ًدا تلو الآخر ،حتى بالنص لكي يؤكد لها أنها لم تفقد النطق كما تعتقد.
اختفت المرأة وتلاشت تما ًما .لكنها لم تخت ِف إلا لكنها ظلت تؤكد له بانفعال أنها لا تتمكن من سماع
عن ناظريها فقط .إذ كانت مرئية للجميع إلاها .ظل
بوسع الكل رؤيتها وحتى تحسسها واحتضانها ما تنطق به ..أصابها تأكيده على وجود صوتها