Page 96 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 96
العـدد 37 94
يناير ٢٠٢2
هايدي عمار
الهجرة الأخيرة
العاصفة الشمسية الأخيرة قبل خمسين عا ًما ،وقتها شد صمود على يدي اليسرى التي ظل ممس ًكا بها
كنت سأعرف المعلومات الكافية عن سكان المريخ منذ جلوسنا في هذه الغرفة الصغيرة قبل خمس
وكيف يعيشون حاليًّا ،لكن من قصص جدي الذي
ساعات.
عاصر الإنترنت في أغلب حياته يمكن القول إن الأمر قال محاو ًل اصطناع ابتسامة يخفي من خلالها
يستحق انتظاري أنا وصمود كل هذا الوقت. توتره« :لا تقلقي يا صدمة وكما يقول أسلافنا :يا
ك َّذب عدد لا بأس به من الناس قبل أسبوع خبر خبر بفلوس».
اصطدام «النيزك الفتاك» ،هكذا سموه في أرض قاطعه مهدي عاق ًدا حاجبيه« :ولكن لا وجود ل ُبكرة،
العرب لا أدري لماذا هذا الاسم تحدي ًدا ،ربما لما لقد وصلنا للمنتهى ،سوف يقضي النيزك على البشر
سيفعله بنا من فتك ودمار ،أو لشكله المثير للسخرية
كما قال البعض ،أما في أرض أوروبا فقد اطلقوا وينهي الحياة».
عليه اسم (المخلص) ،ربما لأنه سيخلصهم من رغم عدم أعجابي بمهدي لكن كلماته أصابت كبد
عناء المحاولة المستميتة للهجرة إلى المريخ ومن الحقيقة ،كل شيء قد أوشك على النفاذ ،والشاشة
شقاء البقاء هنا ،لكن عندما صار واض ًحا للعيان الكبيرة المعلقة في سقف الغرفة والتي تشير الآن إلى
أمر اقتراب النيزك من أرضنا العجوز المتهالكة بات رقم ٢خير دليل ،ساعتين فقط تفصلنا عن النهاية،
الجميع على يقين بأنها النهاية ،حتى من ك َّذبوا الأمر
من أصحاب نظريات المؤامرة باتوا الآن يصدقون نهاية عالم بلا ألوان ،بلا حياة حقيقة.
مع قليل من المراوغة حول الموعد النهائي للاصطدام. كل ما قرأت عنه في بقايا مكتبة جدي الذي أخبرني
تساءل مهدي للمرة العاشرة بعد المئة« :لماذا تبقت بقصص وحكايات عن حياة أسلافنا قبل عام ٢٩٠٠
ساعتان فقط وليس ٥أو ٣؟ ما هذه الدقة؟ هل
أعطى النيزك موعد وصوله لأهل الوكالة أم ماذا؟». يشير إلى أن البشر عاشوا في ذلك الوقت حياة
رد صمود في ضجر« :الحسابات تشير إلى الموعد». أفضل من حياتنا بكثير ،واختبروا ما يمكن تسميته
قال مهدي وقد أستشاط غضبًا« :وهل الحسابات بالحياة ،حتى وإن واجهتهم مصاعب فإنها لم تكن
دقيقة؟ ألا تذكرون ما حدث قبل أعوام عندما قالوا كالتي نعيشها الآن ،زلازل وبراكين وأمراض شرسة
لا تفارق الهواء ،وكهرباء لا تأتي إلا مره واحدة في
إن هناك حم ًما بركانية ستحدث يوم «الجمعة
المطير» ،لكنها حدثت يوم «الثلاثاء الغابر»؟ أي بعد الشهر ،ففي الثلاثين عا ًما التي عشتها مع توأمي
صمود يمكن حصر اللحظات الجميلة والجديرة
عدة أيام من الموعد المضروب». بالذكر على ثلاثة أو أربعة أحداث ،أما بقية حياتنا
أجبت أنا هذه المرة« :يعني حدثت ..المهم أنها حدثت». فهي كفاح من أجل البقاء ،ولم يكن ينقصنا سوى
«العالم سينتهي ،سنموت ،ألا تفهمون؟ يا رب هذا النيزك القادم بعد ساعتين من الآن.
أرحمنا» :قالتها اعتزال في هلع وكأنها تذكرنا ،وما لا أدري لو تم اختياري وذهبت إلى المريخ كيف
زالت تمسك بين يديها صخرة ملساء صغيرة تعود سيكون شكل حياتي الجديدة ،هل ستصبح سهلة
إلى نيزك قديم ،لا أعرف كيف حصلت عليها .تمتمت وممتعة مثل حياة أسلافنا أم شاقة وتحمل المخاطر؟
بأدعية في سرها لم أعرف هل كانت تصلي لربها أم ألن يكون هناك نيزك محتمل هبوطه هناك؟ وماذا
لو حدث ..أين المفر؟ ليتني ولدت في الزمن الذي
تواجد فيه الإنترنت الذي اختفى من الوجود بعد