Page 206 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 206

‫العـدد ‪37‬‬          ‫‪204‬‬

                                                             ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬      ‫بكلمة‪ .‬صر ُت وحي ًدا بعد‬
                                                                         ‫لحظات‪ .‬كيف تخلف صديقي‬
‫لقبول المصير الذي آل إليه‬          ‫نفسي عما عسى يفكر‬
   ‫المكان الأهم في الرواية‪،‬‬    ‫فيه عبد السلام حين يعبر‬                         ‫عند منزله لا أحس به؟‬
                               ‫البيت‪ .‬وأقول لعله يتساءل‬                     ‫هل ودعني ونسيته؟ لماذا‬
 ‫والبطل الرئيس الأبرز في‬                                                    ‫أكاد أتلفت حولي؟ لم يكن‬
‫صنع أحداثها‪ ،‬أو في الأقل‪،‬‬           ‫مثلي عني! بعد سفره‬                    ‫معي شيء وضاع‪ .‬صعدت‬
                               ‫قررت أن أذهب إلى شقتي‬                        ‫شقتي وفتحت النافذة‪ .‬يا‬
  ‫يعيننا على تلافي إصابتنا‬                                               ‫الله‪ .‬أنا أي ًضا لم أشعر بهواء‬
  ‫بالصدمة التي ستضرب‬             ‫من الشارع الموازي‪ ،‬ولا‬
                                 ‫أمر ببيت الياسمين مرة‬                        ‫البحر البارد عند مدخل‬
    ‫أوصاله مرات ومرات‬          ‫أخرى(‪ ،)32‬ما يشير إلى أنه‬                    ‫العمارة»(‪ ،)31‬ليطغى المكان‬
  ‫بسبب ذلك المصير‪ .‬فمن‬          ‫هجر الشارع الذي يوجد‬                      ‫كذلك على ما أنبأنا به بطلنا‪،‬‬
   ‫فحوى حوار قصير في‬            ‫فيه البيت‪ ،‬إنما خو ًفا مما‬               ‫وكل مكان منها يؤشر حركة‬
  ‫المقهى بينه وبين كل من‬       ‫تمثله عتمته أو الكآبة التي‬
  ‫حسنين وماجد نفهم ما‬             ‫يثيرها في نفسه منظره‬                       ‫ما ومغزى ما على الرغم‬
  ‫جرى ويجري وانعكاسه‬             ‫ذاك‪ ،‬ولا سيما أنه يفعل‬                     ‫من ثباتها‪ :‬الفيلا‪ ،‬بوابتها‬
                                                                             ‫الحديدية‪ ،‬باب التاكسي‪،‬‬
       ‫الكارثي على المكان‬          ‫ذلك وحده بغياب عبد‬                    ‫الشارع غير الممهد بعد‪ ،‬خلف‬
 ‫و»شجرة» نفسه‪ .‬الحوار‬                           ‫السلام‪.‬‬                    ‫الزجاج‪ ،‬منزل عبد السلام‪،‬‬
                                                                             ‫شقة «شجرة» ونافذتها‪،‬‬
    ‫بدأ بسؤال استفهامي‬        ‫على أن الهجر لم يطل كثيرا‪:‬‬
     ‫وجهه حسنين لماجد‪:‬‬          ‫«أخذتني قدماي الليلة إلى‬                       ‫البحر ومدخل العمارة‪.‬‬
  ‫‪ -‬أرأيت بيت الياسمين؟‬                                                     ‫ومرة أخرى وأخرى يطل‬
   ‫لقد ُه ِّد َم وأصبح مكانه‬  ‫الشارع الذي هجرته‪ .‬رأيت‬                      ‫المكان‪ ،‬حتى مع موضوعية‬
                              ‫بيت الياسمين مظل ًما تما ًما‪.‬‬               ‫تأكيدنا على أهمية وضرورة‬
            ‫أر ًضا فضاء‪.‬‬                                                   ‫الحديث عن مكان كهذا من‬
‫«انقبض قلبي {علّق شجرة‬          ‫لم تعد هناك رائحة يتقدم‬                    ‫الداخل لا من الخارج‪ .‬فقد‬
                                 ‫نحوها أنفي أو تصلني‪.‬‬                        ‫عاد «شجرة» يذكر «بيت‬
    ‫في قرارة نفسه}‪ .‬طال‬             ‫ذبلت الزهور وأوراق‬                       ‫الياسمين»‪ .‬وفي كل مرة‬
‫الزمن الذي لم أمر فيه من‬           ‫الشجر صارت متربة‪،‬‬                     ‫ذكر البيت إنما يفعل ذلك من‬
‫الشارع ولا أدري‪ .‬قدماي‬                                                      ‫الخارج‪ ،‬وص ًفا وتفاصيل‬
                               ‫سقط معظمها على الأرض‬                      ‫جزئية‪ .‬ولكنه هذه المرة ابتعد‬
    ‫تعودتا على الهجران»‪.‬‬      ‫جوار السور وجف وانتشر‬                         ‫عنه في ظل غياب صديقه‪،‬‬
      ‫وسرعان ما خاطبه‬
                ‫حسنين‪:‬‬          ‫في عرض الطريق ودسته‬                            ‫ربما خو ًفا بسبب غلبة‬
                                  ‫بقدمي فسمعته يتكسر‬                       ‫العتمة عليه‪« :‬كان هذا آخر‬
 ‫‪ -‬رأيناه في الطريق اليك‪.‬‬                                                   ‫ما سمعت من عبد السلام‬
            ‫طب ًعا تعرفه؟‬       ‫تحتها‪ ..‬على البوابة رأي ُت‬                ‫في الليلة الأخيرة قبل سفره‬
                              ‫قف ًل كبي ًرا‪ ،‬وأضاء لي عمود‬                ‫حين انفردنا في الطريق‪ .‬كنا‬
        ‫«خاطبني حسنين‬                                                       ‫دائ ًما نعبر بيت الياسمين‬
     ‫هذه المرة‪ .‬إذن يعرف‬        ‫النور الوحيد في الشارع‪،‬‬
     ‫حكاية بيت الياسمين‬           ‫والموجود أمام بيت عبد‬                     ‫فنراه مظل ًما إلا من ضوء‬
  ‫ويعرفها ماجد‪ ،‬وتعرفها‬         ‫السلام‪ ،‬مواسير الصرف‬                      ‫مخنوق خلف النوافذ فنكف‬
  ‫الإسكندرية كلها‪ ..‬عدت‬          ‫على جدار بيت الياسمين‬
   ‫إلى منزلي بعد السهرة‪..‬‬      ‫الذي سقط ملاطه في أكثر‬                        ‫تلقائيًّا عن الكلام‪ .‬أسأل‬
  ‫راودني الحنين أن أعود‬
 ‫من الشارع القديم وأرى‬              ‫من موضع‪ ،‬وتكلست‬
  ‫بيت الياسمين وقد تهدم‬            ‫فوقه الرطوبة‪ ،‬فرأيت‬
    ‫إلا أني لم أستطع‪ ..‬ما‬        ‫ابن عرس فوق ماسورة‬
 ‫هو الوطن بالضبط؟»(‪،)34‬‬          ‫يجري صاع ًدا»(‪ .)33‬ربما‬
                               ‫بذلك يكون «شجرة» يعدنا‬
   201   202   203   204   205   206   207   208   209   210   211