Page 207 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 207

‫الملف الثقـافي ‪2 0 5‬‬

    ‫السلام بأنه «منذ أيام‬        ‫السؤال الكبير ج ًّدا الذي‬
 ‫سمع «المقدس يحيى» على‬         ‫قد يقصد به ألوف الأمكنة‬
  ‫محطة الأوتوبيس يشرح‬          ‫غير التي تكون عرضة إلى‬
                               ‫مصير كهذا في لحظة غفلة‬
   ‫لرجل كيف يحصل على‬           ‫من المنطق وهيمنة الجشع‬
    ‫النقود من الهواء‪ ،‬فهو‬
   ‫يشتري البيوت القديمة‬                       ‫بطفيلياته‪.‬‬
  ‫لحساب عبده الفاكهاني‪،‬‬            ‫نكتشف أخي ًرا أن ذلك‬
 ‫منها بيت اشتراه منذ عام‬           ‫المصير أجبر «شجرة»‬
   ‫بألف جنيه {يقصد بيت‬          ‫نفسه على أن يهجر نهائيًّا‬
    ‫شجرة تحدي ًدا}‪ ،‬وباعه‬         ‫الشارع الذي ُو ِج َد فيه‬
‫منذ أيام بثلاثة آلاف‪ ،‬وأنه‬        ‫البيت‪ .‬اكتشافنا هذا تم‬
   ‫يفوز بعمولة كبيرة من‬             ‫من عبارة وردت على‬
‫هذه العمليات‪ ،‬وما السجاد‬         ‫لسانه وهو يلتقي إحدى‬
  ‫والحصير التي يدور بها‬         ‫تلك الطفيليات بغير موعد‬
  ‫في الطرقات إلا سات ًرا لا‬        ‫سابق‪« :‬مشي ُت فكدت‬
    ‫ينتظر منه نف ًعا»‪ ،‬لتبلغ‬      ‫أصطدم بالمقدس يحيى‬
 ‫الأمور ببطلنا حد الصدمة‬         ‫قاد ًما من الشارع القديم‬
   ‫الجديدة‪ .‬فها هو يبسط‬       ‫الذي لم أعد أمشي فيه»(‪،)35‬‬
 ‫وقع ما سمعه على نفسه‪:‬‬            ‫لنعلم من سياق الرواية‬
    ‫«أمضيت ليلة مجنونة‬         ‫أن شخ ًصا بهذا الاسم هو‬
   ‫كدت فيها أحطم رأسي‬         ‫الذي اشترى في وقت سابق‬
 ‫بيدي‪ .‬قررت قتل الاثنين‪،‬‬         ‫بيت «شجرة» لنفسه في‬
                                ‫مقابل ألف جنيه‪ ،‬وتوسط‬
      ‫الفاكهاني الذي يبيع‬        ‫له عند «عبده الفاكهاني»‬
‫الفاكهة الحامضة‪ ،‬والمقدس‬           ‫ليؤجر له إحدى شقق‬
                                  ‫عمارته الجديدة‪ .‬والمهم‬
 ‫الذي ورث اللقب عن أبيه‬        ‫في الأمر هنا طبيعة الفئات‬
   ‫الذي لا بد لم ير القدس‬     ‫الجديدة التي حازت لنفسها‬
   ‫قط‪ ،‬ذلك القصير المربع‬      ‫دو ًرا اقتصاد ًّيا طفيليًّا‪ ،‬بكل‬
                                  ‫ما ترتب على ذلك الدور‬
     ‫السمين الأشقر أحمر‬         ‫من انعكاسات سلبية‪ ،‬ولا‬
  ‫الوجه والحاجبين قصير‬           ‫سيما على المكان وقيمته‬
   ‫الذراعين صغير الكفين‬         ‫المعنوية والتاريخية‪ .‬ففي‬
  ‫كحشرة‪ .‬اشتريت نصف‬            ‫أحد الأيام التقى «شجرة»‬
  ‫لتر براندي لأول مرة في‬          ‫بصديقيه حسنين وعبد‬
                               ‫السلام في مقهاهم المعتاد‪،‬‬
     ‫حياتي‪ ،‬شربت نصفه‬            ‫وسألهما ما إذا كان ثمة‬
 ‫ونمت ميتًا»(‪ ،)36‬وكأن هذا‬     ‫الجديد الذي وجب عليه أن‬
‫الحنق الذي أقض مضجعه‬            ‫يعرفه منهما‪ .‬فأجابه عبد‬
 ‫ما هو إلا نوع من التوجع‬
  ‫والأسى على ما اقتلع من‬

     ‫الجذور‪ ،‬اللذان عبرت‬
     ‫عنهما ثورته الصامتة‬
   202   203   204   205   206   207   208   209   210   211   212