Page 256 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 256

‫العـدد ‪37‬‬          ‫‪254‬‬

                                                                    ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬     ‫الوحيد القادر على التعبير‬
                                                                                    ‫بحرية وطلاقة عن الفكر‬
     ‫أن هذا العمل قبل كل‬                ‫فأعمال بلزاك تمتاح‬                          ‫والفلسفة والتاريخ وعلم‬
‫شيء نقد جذري للمجتمع‬             ‫عظمتها ونفوذها إلى الكونية‬                       ‫النفس والاجتماع‪ ..‬وغيرها‬

         ‫البورجوازي»(‪.)4‬‬            ‫بفعل حركية شخصياته‪،‬‬                                   ‫من علوم الإنسان‪.‬‬
  ‫يبدو أن اختلاف التأويل‬             ‫بحيث تمنح القارئ أف ًقا‬                      ‫ويبين إ‪ .‬موران أن الروائي‬
‫بين الروائي العظيم بلزاك‬          ‫تأويليًّا واس ًعا ج ًّدا وحاب ًل‬
  ‫حيث اعتبر عمله تنوير ًّيا‬         ‫بالفرضيات والتخمينات‬                               ‫قادر على توظيف كل‬
                                  ‫الكثيرة‪ ،‬وهنا تكمن جمالية‬                        ‫هذه العلوم والحذف منها‬
    ‫في شأن النظام الملكي‬           ‫الرواية وسحرها وتملكها‬                       ‫والتصرف فيها‪ ،‬بحيث «تفرز‬
‫والدين‪ ،‬والفيلسوف المنظر‬         ‫للقارئ‪ ،‬ومن ثمة‪« :‬فالرواية‬                        ‫روح الروائي وتوحد شبه‬
 ‫كارل ماركس الذي خوله‬                ‫كائن حي‪ ،‬عند كتابتها‪،‬‬                      ‫جبلة خارجية تتكون وتتطور‬
 ‫جهازه الفكري والفلسفي‬            ‫وأي ًضا عند قراءتها‪ ،‬تكون‬                      ‫وتتوحد‪ ،‬لتصبح عالمًا يضم‬
                                  ‫جامدة في المكتبة أو خزانة‬                     ‫مجتم ًعا وشخصيات وأحداث‬
    ‫أن يرى في عمل بلزاك‬               ‫الكتب‪ ،‬لكن تبعث فيها‬                          ‫يتحكم الروائي ويصحح‬
‫نق ًدا جذر ًّيا لاذ ًعا للمجتمع‬     ‫الحياة تحت عين القارئ‬                         ‫ويحذف بوعي‪ ،‬لكنه ينشئ‬
                                                                                  ‫كونه الرومانسي في الحالة‬
   ‫البورجوازي المتوحش‪،‬‬                      ‫وبواسطتها»(‪.)3‬‬                      ‫الثانية من النشوة اللطيفة»(‪.)1‬‬
 ‫هو ما جعل بلزاك عبقر ًّيا‬         ‫وما يجعل عصرنا عص ًرا‬                           ‫إن قدرة الروائي على خلق‬
                                                                                 ‫عالمه الرومانسي الذي يضم‬
   ‫ومدرسة كبيرة‪ .‬إن كل‬                ‫للرواية أنها تنفلت من‬                     ‫مجتم ًعا وشخصيات ووقائع‬
 ‫عمل روائي كوني يعيش‬                  ‫تأويلات كتابها‪ ،‬بحيث‬                       ‫وتحوير التاريخ والنبش في‬
‫خارج زمانه ومكانه و ُيقرأ‬         ‫المؤلف يمكنه أن يخطئ في‬                         ‫جزئياته التي عجز التاريخ‬
  ‫من طرف أجيال متعاقبة‬             ‫فهم معنى عمله كما حدث‬                            ‫كعلم عن التوقف عندها‪،‬‬
‫ومختلفة‪ ،‬مثل أعمال بلزاك‬            ‫لبلزاك‪« :‬لقد اعتبر بلزاك‬                     ‫هو ما يجعل الرواية عظيمة‬
‫وزولا وشكسبير وغابريل‬               ‫أن روايته ملهاة إنسانية‬                      ‫وجن ًسا عاب ًرا للتخصصات‪.‬‬
‫غارسيا ماركيز‪ ..‬وغيرهم‪،‬‬             ‫(‪)Comédie humaine‬‬                            ‫لقد‪« :‬أعاد بلزاك (‪،)Balzac‬‬
  ‫ويحقق لنا متعة وإثارة‪،‬‬           ‫تمكنه من تنوير القراء في‬                     ‫على سبيل المثال‪ ،‬خلق مجتمع‬
 ‫ينخرط ضمن علم الجمال‬             ‫شأن النظام الملكي والدين‪،‬‬                          ‫كامل يعج بالشخصيات‬
  ‫(الجماليات) لأننا نعيش‬         ‫بينما رأى ماركس بوضوح‬                           ‫والأحداث‪ ،‬مزيج من الواقع‬
  ‫من خلاله في فسحة من‬                                                            ‫والخيال‪ ،‬حيث يكون الخيال‬
 ‫الخيال والواقع أثناء فعل‬
                                                                                      ‫في خدمة إحياء المجتمع‬
        ‫القراءة والتأويل‪.‬‬                                                        ‫الحقيقي لعصره‪ ،‬تعيش فيه‬
   ‫إذا افترضنا أن الرواية‬
 ‫تجمع تخصصات مختلفة‬                                                                ‫الشخصيات الرومانسية‪،‬‬
    ‫وتستحوذ على اهتمام‬                                                            ‫وتصبح شبه مستقلة‪ ،‬تملي‬
‫الجميع دون استثناء‪ ،‬فإلى‬
   ‫ماذا يرجع هذا السحر؟‬                                                              ‫سلوكها على الكاتب‪ .‬من‬
                                                                                     ‫الشائع أن يقرأ الروائي‬
     ‫يجيبنا إميليان نوييل‬                                                          ‫قائ ًل‪« :‬شخصياتي تنفلت‬
  ‫(‪ )Emilien Noël‬بقوله‪:‬‬                                                            ‫مني‪ ،‬وتصبح شخصياتي‬
 ‫«تصبح الرواية مجموعة‬                                                             ‫ممتنعة السيطرة عليها»(‪.)2‬‬

      ‫شاملة تقريبًا لحالة‬
 ‫العالم في لحظة معينة‪ ،‬أو‬
  ‫بعبارة أصح لحالة عالم‬
  ‫ما‪ ،‬في هذه الحالة العالم‬
   251   252   253   254   255   256   257   258   259   260   261