Page 107 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 107

‫نون النسوة ‪1 0 5‬‬                                                  ‫جه ٍد أكاديمي مثلما تح ّول إلى قراءات نقدية متنوعة‬
                                                                 ‫باعتباره عتب ًة من عتبات الن ّص الكلي‪ ،‬والتي يمكن أن‬
  ‫أحقية الاختيار‪ ..‬فالعنوان هو الذي يج ّمل البوابة ويعطي‬     ‫نجملها ونعد العنوان على أنه الب ّوابة التي يمكن من خلالها‬
  ‫المتل ّقي جاذبية الدخول‪ ..‬فالأبواب التي ندخل منها كلما‬          ‫الدخول إلى عالم الن ّص الكبير الواسع والمتن ّوع في‬
 ‫كانت جميلة كان البيت جمي ًل وكانت مدينة الشعر أجمل‪،‬‬
   ‫رغم التأكيد على أن هذه الخاصية ليست دائ ًما مطابقة‬                    ‫تفاصيله‪ ،‬التي تشبه مد ًنا بمسميات كثيرة‪.‬‬
                                                                 ‫والعنوان في مجموعة الشاعرة مروة أبو ضيف التي‬
         ‫للواقع‪ ،‬فالكثير من المبدعين تخونهم العناوين‪.‬‬
    ‫إن العنوان يأتي بعده ما أرادته الشاعرة ليكون مقدمة‬       ‫حملت عنوان (أق ّص أيامي وأنثرها في الهواء)‪ ،‬والصادرة‬
‫توضيحية بطريقة النثر‪ ،‬وكأنها محاولة لمعرفة ما سيأتي‬             ‫عن دار نشر شرقيات‪ ،‬لم يكن عتب ًة اعتباطية أو مج ّرد‬
‫من نظم لشعر‪ ..‬ليس النظام العمودي أو التفعيلة‪ ،‬بل لنظم‬          ‫عنوا ٍن لمجموع ٍة جعلت الغلاف يتح ّكم في التصميم على‬
   ‫التجنيس الشعري لهذه المجموعة عبر ‪ 67‬كلمة قشرت‬                 ‫المقص في معادلة تنويهية ومقابلة ذاكراتية للمتل ّقي‪..‬‬
  ‫فيها أفكارها التي تريد طرحها بالمجموع الكلي‪ ..‬كلمات‬           ‫فرسم مق ًّصا وخطو ًطا متقطع ًة وجعل العنوان داخل ما‬
‫نثرية بروح الشعر‪ ،‬فربما هناك من يعتقد أنها نزعت ثوب‬              ‫يشبه غيمة‪ ،‬ولون غلاف (سمائي) أزرق فاتح وكأنه‬
  ‫المجموعة ولم يعد ما يحتاج المتل ّقي إلى البحث عنه في‬
 ‫النصوص الأخرى‪ ،‬ويبقى بعدها باحثًا عن اللغة الشعرية‬          ‫(يماشي) العنونة باعتبارها دا ًّل لمدلو ٍل ما يأتي‪ ،‬رغم أني‬
   ‫وغائيتها‪ ،‬والبعض الآخر يعتقد أن هدفية المقدمة لعبة‬          ‫على المستوى الشخصي لا أعد الغلاف عتب ًة من عتبات‬
     ‫أخرى أو عتبة تناصية للدخول إلى المدينة الشعرية‪،‬‬
   ‫خاصة وأن المقدمة كتبت بطريقة المتكلم (أنا) الموجه‬         ‫النص الكلي‪ ،‬كما يزعم البعض من النقاد‪ ،‬وذلك أن الشيء‬
   ‫إلى الآخر (هو) الجامع لكل ما هو مخفي في الرسائل‪،‬‬             ‫الوحيد المتغيّر في النص الكلّي في طباعة ثانية وثالثة‬
    ‫سواء كان شخ ًصا أو متلقيًا لتوضيح ما يتم فقده في‬
‫عملية التل ّقي‪ ،‬أو ب ّث النصوص الشعرية أو نقص منها‪ ..‬لذا‬      ‫هو الغلاف‪ ،‬وبالتالي لا يمكن ع ّده كغلا ٍف يصاحب طبع ًة‬
‫كانت تو ّزع رغبتها الكامنة في اللامرئي واللامحسوس في‬             ‫جديد ًة هو عتبة‪ ،‬بل هو لوح ٌة ج ّذابة مرسومة لعنوان‬
‫المشاعر المختبئة في ثنايا النصوص‪ ،‬فسكبت بعضها في‬                 ‫بوابة كلية‪ ،‬تريد من المتل ّقي الدخول إلى عالم المدينة‬
                                                                ‫الن ّصي وكشف محتوياته مثل سائ ٍح يفتّش عن دهشة‬
                  ‫هذه (المقدمة) التي تعبّر عن أمنيات‪.‬‬            ‫المكان‪ .‬فالعنوان هنا على طوله ‪-‬خمس كلمات‪ -‬جاء‬
   ‫(كنت أو ّد أن أقول إنني أغني للورد والأمطار والسماء‪،‬‬
    ‫وأكتب برومانسية بالغة عن جماليات العشق والخجل‬             ‫وكأنه محاولة لجمع روح النصوص الكلية‪ ،‬رغم أنه ‪-‬أ ّي‬
   ‫والغنج العفيف‪ ،‬وأن أستفيض في قصيدة بطعم السكر‬                 ‫العنوان‪ -‬جاء كواح ٍد من نصوص المجموعة الشعرية‬
  ‫وألوان الفراشات وفالس الأحبة‪ .‬كنت أود هذا ح ًّقا‪ ،‬لكن‬        ‫التي كنّا نفضل لو أنه كان خارج النصوص‪ ،‬وإنه يكون‬
   ‫ماذا أفعل والسماء تلهو بشمس تشوي الفراشات على‬
    ‫مهل‪ .‬فلنغ ِن إذن لق ٍّط أسود‪ ،‬أو شارع يبتلع المارة‪ ،‬أو‬   ‫حام ًل لكل ما جاء من نصوص كعدد ومعدود‪ ،‬خاصة وإن‬
‫فا ْلس عسكر ٍّي يصلح للقتلى‪ ،‬أو الإبادة الجماعية للآدميين‬
 ‫لصالح الآلة‪ ،‬لنكتب عن جماليات الهزيمة وتبرير الخيبة)‪.‬‬          ‫الكتاب الحديث غادر اختيار ن ٍّص من النصوص ليكون‬
‫لكن المتلقي تفاجئه الشاعرة من أن هذه ليست مقدمة كما‬             ‫عنوان المجموعة‪ ،‬سواء في النصوص الشعرية وحتى‬
  ‫يظن‪ ،‬ويذهب بالاتجاه الذي تم تأويله‪ ،‬باعتبارها مقدمة‬
                                                              ‫القصصية منها‪ ،‬أو حتى من النصوص الإبداعية الأخرى‬
     ‫تساوي فيها الحب بالخيبة والسماء بالذوبان والرقة‬            ‫كمجموعة مسرحيات مث ًل‪ ،‬ليكون العنوان مخت ًّصا بك ّل‬
  ‫بالشواء والغناء بالسواد والحرب بالقتل أو الهزيمة التي‬       ‫الكتاب ومنطل ًقا منه‪ ،‬ويكون هو البوابة الكلية التي يدخل‬
  ‫لا يبررها خيبة‪ ،‬وهي بالتالي وضعت أمامنا عسكرة من‬
                                                                                                  ‫منها المتل ّقي‪.‬‬
    ‫الخيبات التي ترتبط ارتبا ًطا كليًّا بالعنوان‪ ،‬حيث النثر‬
   ‫في الهواء لا يبقي ولا يذر‪ .‬بل هو ن ّص نثري إذ سيجد‬        ‫إن العنوان في هذه المجموعة تم اختياره لهدفين‪ ..‬الهدف‬

                                                                ‫الأول‪ :‬أنه يحتوي على مضامين النصوص الكليّة التي‬
                                                                ‫تحمل فكرتها وغائيتها وهدفيتها الكلية باعتباره شام ًل‬

                                                               ‫عا ًّما لماهية المغزى الكلي لأفكار المجموعة المطروحة‪..‬‬
                                                              ‫والهدف الثاني هو هدفية النغمة الموسيقية التي تتحملها‬

                                                             ‫الكلمات الخمس المؤلفة للعنوان‪ ..‬وهي هدفية لا تخلو من‬
   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112