Page 105 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 105
نون النسوة 1 0 3 ضيف اعتمدت الذات الشاعرة التكرار كبنية إيقاعية
في أكثر من نص ،من بينها «بين بين» في نص بهذا
واضح ،لتنضح نصوصه بروح من العرفانية الشفيفة العنوان ،أو «عزيزي مارك» في نص «إلى حبيبي مارك»،
التي تستلهم كل التراث العرفاني الصوفي في كثافتها وفي «تغريبة» كانت البنية التكرارية في أداء نحوي
اللغوية ورهافتها التصويرية البالغة: متكرر على النحو التالي:
أيها الفرد المتفرد لو أن لي من القوة ما يكفي لأصفعه لفعلت ،ولو أن لي
الواحد الأحد من الإيمان ما يكفي لأقرأ له الفاتحة لفعلت ،ولو أن لي
الذي كانني قبل أن أكون من العمر لأبكي مرة أخرى لبكيت ،ولو أن لي
وسيظل ف َّي بعد زوالي من الأصدقاء ما يفيض عن حاجتي لضحيت..
ما كان لي هو لك أو تكرار افتتاحيات كل مقطع شعري بـ»ثمة شعور» في
وما كان بي هو منك نص «غموض» أو «كنا نجلس في المقهى» في مقطعين
من نص «بحثًا عن العلامات» لتنتقل بعدها إلى «كنت»
صوتي يتحقق بمعجزة التفاتك إليه في المقطع الثالث ،و»كان الولد» في المقطع الرابع،
وصمتي يتشكل لتعود إلى «كنا نجلس في المقهى» في المقطع الأخير.
أما نص «أولجا» فالتكرارية فيه تتنوع بين اسمي
في وحشة غيابك. «أولجا» و»فريدريك» حيت يتبادل الاسمان موقع
مبتدأ الجملة والجملة التالية في سيمترية محكمة تذكر
هوامش:
-أورد المبرد في كتابه «الكامل» أن من أقدم ما نظمته بنصوص جاك بريفيير.
العرب من الشعر ما رجزه العنبر بن عمرو بن تميم: إلى حبيبي جاك
«قد رابني من دلوي اضطرا ُبها /والنأ ُي في بهراء وبعد ،في موقفية الذات الشاعرة عبر الديوان تتجلى
واغترا ُبها /إن لا تجئ ملأى يجئ قرا ُبها».
مساءلة الحياة ومعاني الحق والخير والجمال في
-2ومن اللطائف أن الفرزدق أنشد عند سليمان بن عبد تناقضها المفهومي بين الذات والآخر ،ليأتي الفعل
الملك قوله :فبتن بجانبي مصرعات /وبت أفض أغلاق الشعري في صورة أمنيات وأحلام ،كما في «رسالة
الختام .فقال سليمان :قد وجب عليك الحد .فقال :يا أمير إلى أبنائي الصغار» التي جاءت بمثابة وصية عن زيف
المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله« :وأنهم يقولون ما الحياة المخادعة ،وتحذير للأبناء من خوض العالم
ببراءة كابدتها الذات الشاعرة قبل أن تكتشف العالم.
لا يفعلون».
-3كان الشعر ديوان العرب ،عندما لم يكن لدي أما نصوص الأم ،الأم التي غيبها السرطان ،فهو
العرب سوى الشعر ،فلم تكن هناك مؤسسات إعلامية نصوص موغلة في القسوة وفي الألم م ًعا ،وكأن الذات
ولا تعليمية بالشكل الذي هي عليه الآن ،فكان الشعر
يقوم بأدوارها ،يقوم بالدور التربوي ،والتأريخ الشاعرة لم تجد مهر ًبا من ألم الفقد سوى بقسوة
للأنساب ،والتعبير عن الأحزاب والقوى المختلفة، العتاب ،كحل نفسي وحيد أمام روح معذبة ومذعورة
وبتأريخ الحروب ،وبتعليم الناس الفلسفة والفكر،
والإخبار والإعلام ،كان الجوهر الشعري موجو ًدا، أمام هذا العالم.
ولكنه قليل ،لثقل المهام الأخرى ،التي تحملها الشعر، أما نص إلى حبيبي جاك ،فقد تجلت فيه براعة الأداء بين
إعلاميًّا وتاريخيًّا وفلسفيًّا وأنثروبولوجيًّا ،هذه المهام
والوظائف التي قامت لها مؤسسات في الدولة الحديثة، مستويين من الكتابة ،أحدهما قطعي بالصورة النثرية
ومن ثم تسلمت من الشعر وظائفها ،وبقيت للشعر المثالية ،أو هي السردية ،والآخر هو شكل السطر
شعريته ،وصار عار ًيا إلا من ذاته ،هذه هي النقلة
الكبرى للشعر– حلمي سالم ،من حوار أجراه الشاعر الشعري الذي حرصت الذات الشاعرة على تظليله بشكل
الإذاعي هشام محمود في جريدة القاهرة