Page 102 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 102
العـدد 21 100
سبتمبر ٢٠٢٠
منه الذات الشاعرة في ديوانها، لتناول ديوان مروة أبو ضيف «أقص أيامي وأنثرها
والذي يشكل اتفا ًقا بينها وبين في الهواء» الصادر عن دار شرقيات عام .2013وربما
قارئها على مدخل مناسب كانت هناك مفارقة بين المدخل التاريخاني للقصيدة
لقراءة نصوص الديوان: العربية ،وبين انتماء الديوان لقصيدة النثر التي تشكل
كنت أود أن أقول إنني أغني
للورد والأمطار والسماء، ثورة على المفاهيم الكلاسيكية وفي مركزها الإيقاع
وأكتب برومانسية بالغة عن الشعري ،غير أنها مفارقة لا بد منها ،في رأيي ،كونها
جماليات العشق والخجل تضيء مساحة مهمة تخص سؤال الشعر في ذاته من
والغنج العفيف ،وأن أستفيض
في قصيدة بطعم السكر وألوان خلال الديوان.
الفراشات وفالس الأحبة .كنت
أود هذا ح ًّقا ،لكن ماذا أفعل عادي مفرط في عاديته
والسماء تلهو بشمس تشوي فالديوان ،في عتبته الأولى ،لا يجاوز مفهوم الماصدق
الفراشات على مهل .فلنغن بالمعنى المطروح ،إذ أن الذات الشاعرة لا تتجاوز فكرة
إذن لقط أسود ،أو شارع يبتلع
المارة ،أو فالس عسكري يصلح القص (من الجذر اللغوي العائد إلى قص الأثر ،وما
للقتلى ،أو الإبادة الجماعية يتبعه من سرد ما كان) ،أو حتى الجذر اللغوي المتعلق
للآدميين لصالح الآلة .لنكتب باسم الآلة :المقص ،وما يعنيه من تمزيق للمشهد ،وفي
عن جماليات الهزيمة وتبرير الحالين يأتي النثر تاليًا ،نث ًرا من النثر الفني بمفهومه
الخيبة. الأدبي ،أو نث ًرا من التناثر كيفما اتفق .والمعنيان
إن هذا التمهيد ،أو هو البيان صحيحان في تصوري ،وإن كان الأرجح أن الذات
الشعري (المانيفيستو) ،هو الشاعرة أرادت النثر بما هو نقيض الضم أو الجمع،
الطريق الذي وضعته الذات إذ جاءت نصوص الديوان أقرب إلى تشظيات كثيرة
لماهية واحدة ،هي حياة الذات الشاعرة وتصوراتها،
الشاعرة لقراءة الديوان. في نسق جمالي يستخدم المعيش اليومي والعادي
هو بالأحرى بيان تشغيل المفرط في عاديته ،ولكن وفق مفهوم يعيد تشكيل ذلك
للنصوص التي سوف تليه، العادي ،ويستكشف إمكانات المفارقة فيه من خلال
لكي تحدث تلك النصوص أثرها تدمير مفهوماته السابقة وإعادة إنتاجها ،بما يصح معه
المطلوب في دفق الشعرية في استخدام عنوان أحد نصوص الديوان « ُمشاهد يقص ما
العاديات :قط أسود ،أو شارع حدث بحياد تام» بوصفه عنوا ًنا تمهيد ًّيا لهذه المقالة.
ولعل فكرة الحياد التام الواردة هنا تجد مرجعياتها في
يبتلع.. موقفية الذات الشاعرة مما حدث ،بمفهومه الواقعي ،إذ
فما بين :كنت أود ولكن لا تتفاعل الذات الشاعرة مع هذا الـ ما حدث ،بمنطق
ماذا أفعل فلنفعل إذن، المعايشة أو المحاورة أو التصادم ،وإنما تتخذه تكئة
للانتقال منه إلى منطق الأثر أو الندبة أو العلامة.
تأتي مفارقات النصوص. هي ليست معنية بالواقع إذن من حيث أنه مكابدة أو
فما بين رغبة الفعل ،وممانعة معايشة ،وإنما يعنيها من الواقع إعادة إنتاج الدلالة،
لتكون تلك الدلالة مفتاح ولوجها إلى العالم ،أو تقديم
العالم ،يأتي المهرب الآخر:
لا الصدام ،ولا التفاعل مع نفسها إليه.
وربما تفسر هذه الرؤية المانيفستو البدئي الذي تنطلق