Page 97 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 97
95 إبداع ومبدعون
قصــة
-هانرجع للفلسفة تاني؟! واحد معاه فلوس وبيمهد للحملة الانتخابية.
-لا أب ًدا .أنا هأكتب لحضرتك تقرير مفصل عن المكان ارتبكت وشعرت بتلعثم الكلمات في فمها ،أومأت بنعم.
وأوضح وجهة نظري وحضرتك هاتقرر. -أمال ورد إيه وفل إيه؟!
بعد يومين كان العمل يجري على قدم وساق منذ رغم خجلها ،إلا إنها كانت عنيدة لا تستسلم سري ًعا .وقد
الصباح الباكر استعدا ًدا للتصوير في عزبة خير الله،
أثارتها سخريته ،فقررت أن تتشبث بفكرتها وتتمسك
وفي الشارع الذي اختارته تحدي ًدا. برأيها ولو كلفها ذلك ترك العمل.
لم يكن لها دور مهم هذا اليوم؛ فعملها كمساعدة في
فريق الإعداد لا يتطلب وجودها في موقع التصوير. ثانية وتذكرت ،كيف تترك العمل وهي في أمس الحاجة
الأمر الذي جعلها تتخذ هذا القرار بإصرار ودون تردد، إليه؟!
فهي لا تخشى ظهورها أمام جيرانها ال ُجدد. فهي يتيمة الأبوين ،وحينما ازدادت مضايقات زوجة
كان محل الزهور هو هدفها الذي حددته. خالها الذي كانت تقيم لديه ،وشعرت بقلة حيلة خالها،
وعدم قدرته على مواجهة زوجته ،وردعها عن تصرفاتها
ففي بداية انتقالها للإقامة في العزبة أثار تعجبها وجود السيئة معها؛ قررت أن تنتقل للإقامة مع فتاتين ريفيتين
المحل في هذا الشارع البائس ،ولكنها اكتشفت في
تعملان معها في المحطة وتقيمان في غرفة في شقة
صبيحة أول يوم خميس ازدحام المحل بزبائن متفاوتي مشتركة مع عدة فتيات تعملن في مجال الإعلام أي ًضا.
المستوى ،يوحدهم ارتداؤهم للملابس السوداء ،فعرفت
لم تكن الغرفة تتسع لسرير ثالث ،فوجدت صعوبة
بوجود مقابر بالقرب من العزبة. كبيرة في إقناع الفتاتين بقبول مشاركتها لهما ،على أن
كانت أحيا ًنا تتفرس ملامح من يشترون الزهور تنام على كنبة متهالكة في إحدى أركان الغرفة ،فوافقتا
وتتساءل: على مضض؛ على أن تتقاسم معهما إيجار الغرفة
-هل قاموا بإهداء المتوفى زهرة واحدة في حياته؟ الشهري ،وتكون مسئولة عن تنظيفها ثلاثة أيام في
اعتادت بشرى الذهاب لشراء وردة وحيدة مثلها ،تتفنن
في انتقائها يوميًّا قبل ذهابها إلى العمل ،فبات ذلك الأسبوع.
يمنحها قد ًرا من السعادة كل صباح ،خاصة حينما كانت الغرفة تقع في بيت قديم مكون من دورين فقط،
يسابق الصغير وحيد والده ،لمساعدتها في انتقاء في شارع تتساند البيوت المائلة فيه على بعضها،
زهرتها ،وتغليفها بابتسامته البريئة البشوش دون كلام. كعواجيز يسند كل منهم رأسه على كتف جاره.
تفاصيل البؤس التي تكسوه كباقي سكان العزبة لم كان هذا المشهد يثير تساؤلات في مخيلتها أثناء عودتها
تستطع إخفاء ملامحه الملائكية ووداعته. كل يوم إلى عزبة خير الله ..ماذا لو سقط أحد البيوت؟
هل ستتهاوى بقية البيوت كقطع الميكانو التي تتعكز
كانت بشرى تشفق على وحيد ،الذي تراه مستيق ًظا على بعضها ،أم ستبقى صامدة مثلما صمدت هي بعد
ليساعد والده في المحل منذ الصباح الباكر ،وكم تمنت وفاة والديها وبقيت ك ُعجز شجرة تلاطمها الريح من
أن تهديه زهرة ،لكنه حتما لن يشعر بعطيتها ،فالإنسان مختلف الاتجاهات وحيدة؟!
فرت دمعة وحيدة على خدها ،لاحظ؛ فرقق صوته
لا يري جما ًل في الأشياء المحيطة به! وخفف لهجة السخرية الطاغية على حديثه ،وسألها
عندما اجتمع بهم حامد ،وأخبرهم عن رغبته في إعداد مجددا:
-ما له الورد بموضوعنا يا بشرى؟!
حلقات ،تذاع في شهر رمضان المبارك ،لتسليط شعرت ببعض الارتياح نتيجة تراجعه عن السخرية
الضوء على فاعل خير متطوع يقوم باختيار شخص ومعاودة سؤالها ،فأجابت:
ليحقق له أمنية يوميًّا ،قررت بشرى أن تقاتل من -أنا قلت يا أستاذ إن المكان رغم بؤسه إلا إن فيه طاقة
أجل وحيد لتهديه شيئًا لم تستطع سؤاله عنه ،فهي جمال.
تعرف أن قدراتها المادية محدودة ج ًّدا ،سيقوم فاعل
الخير بتحقيق أي أمنية يطلبها .وستشعر هي بالفرح