Page 101 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 101

‫الديوان‪ ،‬في عتبته الأولى‪ ،‬لا‬                                                                                ‫حلمى‬
                                                                                                                   ‫سالم‬
 ‫يجاوز مفهوم الماصدق بالمعنى‬
                                                            ‫يطاله ‪-‬أو هكذا ُيفترض‪ -‬تغيير أو تحريف؛ فهو جوهر‬
  ‫المطروح‪ ،‬إذ أن الذات الشاعرة لا‬                           ‫قائم بنفسه‪ ،‬وهو تدوينة وإن لم يدون‪ ،‬تحمل في ذاتها‬

    ‫تتجاوز فكرة القص (من الجذر‬                                ‫خصائص عصرها وعلومه وأحداثه وفهومه وأنسابه‬
                                                           ‫وأقوامه‪ .‬والضابط لكل ذلك هو تعدد الرواة واختلافاتهم‬
 ‫اللغوي العائد إلى قص الأثر‪ ،‬وما‬
                                                               ‫بالجرح والتعديل‪ ،‬وانضباط النص بالوزن والقافية‪،‬‬
  ‫يتبعه من سرد ما كان)‪ ،‬أو حتى‬                                 ‫وشواهده المستدعاة في التأريخ لحادثة أو التمثيل‬

‫الجذر اللغوي المتعلق باسم الآلة‪:‬‬                                                ‫لموقف أو إثبات نسب أو نفيه‪.‬‬

    ‫المقص‪ ،‬وما يعنيه من تمزيق‬                                             ‫الماصدق والجميل‬
                                                            ‫وهكذا بين كذب الشعر‪ ،‬الجميل‪ ،‬ومبالغاته التي تجاوز‬
                            ‫للمشهد‬
                                                               ‫المنطق من مثل (فقلت له لما تمطى بصلبه وأردف‬
    ‫الجمالي أسئلة الاستاطيقا بمفهوميتها التي تتخلى عن‬            ‫أعجا ًزا وناء بكلكل) في وصف امرئ القيس لليل‪،‬‬
       ‫سؤال الصدق إلى سؤال الجميل‪ .‬وصح مع سؤال‬                  ‫وبين صدقه التدويني في ذكر الحوادث والتواريخ‬
      ‫الجمال قبول الجمال بما هو جميل‪ ،‬بغض النظر عن‬              ‫(فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله رجال بنوه من‬
                                   ‫صدقيته أو كذبه‪.‬‬            ‫قريش وجرهم‪ /‬يمينًا لنعم السيدان وجدتما على كل‬
                                                             ‫حال من سحيل ومبرم‪ /‬تداركتما عب ًسا وذبيان بعدما‬
   ‫وتعددت‪ ،‬بالتالي‪ ،‬تنويعات الجمال الشعري في تباديل‬            ‫تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم)‪ ،‬كما جاء في معلقة‬
    ‫لا نهائية شملت‪ :‬الأدائية اللغوية‪ ،‬والموسقة الإيقاعية‪،‬‬    ‫زهير بن أبي سلمى عن حلف الفضول‪ ،‬بين الماصدق‬
  ‫وعلوم البديع الجناسي والمفهومي‪ ،‬والمفارقة والتناص‬           ‫والمفهوم ‪-‬بالمعنى الفلسفي‪ -‬شق الشعر نهره عبر‬
     ‫وما إليها من أداءات يضمها جمي ًعا مفهوم الشعر في‬      ‫الـ‪ 1600‬عا ًما‪ ،‬مراو ًحا بين انتصاره للحقيقة‪ /‬الحدث‪/‬‬
                                                           ‫الواقعة التاريخية‪ /‬الماصدق‪ ،‬من زاوية‪ ،‬وبين انتصاره‬
                             ‫مراحل تطوره المتراكبة‪.‬‬         ‫للمجاوزة‪ /‬الاختلاف‪ /‬الكذب بالمفهوم التشعيري‪ ،‬من‬
     ‫غير أن سيادة التدوين في عصور لاحقة سحبت من‬
     ‫الشعر وظائف «ديوانية» ظل مشغو ًل بها في تاريخه‬                                             ‫جهة أخرى‪.‬‬
     ‫الأول‪ ،‬لصالح مؤسسات كاملة أضحت مهمتها ضبط‬               ‫وفيما حكمت «ديوانية» الشعر أسئلة الصدق الواقعي‬
   ‫التواريخ‪ ،‬وتسجيل الوقائع‪ ،‬وحفظ الأنساب‪ ،‬وذكر أيام‬          ‫على مستوى الحقيقة التاريخية‪ ،‬راوح «كذب» الشعر‬
    ‫العرب‪ ،‬وما إلى ذلك من مهام أثقلت الشعر‪ ،‬من جهة‪،‬‬
    ‫بما هو خارج إطاره الجمالي‪ ،‬وأوقفته‪ ،‬من جهة ثانية‪،‬‬

       ‫عند حدود المهارة والصنعة التي بز فيها الشعراء‬
      ‫أقرانهم بحسن نظمه وضبط عروضه والتخلص من‬
    ‫ضروراته الوزنية أو التقفوية‪ ،‬بما جعل النظم‪ ،‬وليس‬
  ‫الشعر‪ ،‬هو السائد في المفهوم الكلاسيكي للقصيدة على‬

                         ‫حساب الجوهر الجمالي لها‪.‬‬
       ‫المقولة الأخيرة‪ ،‬وهي للشاعر الكبير حلمي سالم‪،‬‬
     ‫ببعض التصرف(‪ ،)3‬قد تكون هي المدخل المركزي‬
   96   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106