Page 104 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 104

‫العـدد ‪21‬‬    ‫‪102‬‬

                                                      ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬

    ‫التراب»‪« ،‬مولاي لا غالب إلا النار»‪« ،‬اسأل روحك‪..‬‬    ‫الألفاظ غير ذي أثر بالمرة‪ .‬غير أن الفارق في المعنى‬
‫اسأل قلبك»‪« ،‬قسمة ونصيب»‪« ،‬صرفت الجلد والسقط»‪،‬‬         ‫لا ينجلي سوى بالنظر في المرجعية القيمية للتعبيرين‪،‬‬
‫«اعمل الخير وارمه في البحر»‪ .‬تلك التناصات التي تعيد‬   ‫أحدهما كلاسيكي سينمائي أراد بلورة المفارقة في إطار‬

 ‫الذات الشاعرة صياغتها في سياقات جديدة‪ ،‬تظل معها‬          ‫لغة الفيلم وزمنيته التي أنتج فيها‪ ،‬والثاني اجتماعي‬
‫محملة بأفق دلالتها الأول‪ ،‬وتخرج منه إلى دلالة جديدة‪،‬‬      ‫معاصر يجسد مفارقة الحياة كما هي (في الشارع)‬
                                                         ‫والحياة كما يجب أن تكون وفق إطار تربوي أمومي‬
         ‫تحمل شعريتها من التوتر النصي الجديد لها‪.‬‬
       ‫في الديوان تناصات أخرى تحمل سمة تدميرية‬                                  ‫على الأرجح‪ :‬بنت مؤدبة‪.‬‬
    ‫للحكايات السابقة لإعادة إنتاجها‪ ،‬فالسندريلا كانت‬                     ‫أفرك عيني لتخرج منها العفاريت‬
     ‫عرجاء بالأساس‪ ،‬ولا صحة لقصة الحذاء والأميرة‬
‫(اللافت أن الذات الشاعرة مبتورة الساق في نص آخر)‪،‬‬                                      ‫ربما أصير حينها‬
‫وقابيل لم يقتل هابيل غيرة منه ولكن كان هابيل قربانه‬                                    ‫بنتا طيبة ومؤدبة‬
‫إلى الله‪ ،‬والحبيب وزع شعره في الجهات الأربع عو ًضا‬                            ‫لا تعطي السكاكر للسناجب‬
   ‫عن الطير‪ ،‬وعندما أكلت الطير من سنابل شعره على‬                       ‫ولا تقبل أطفال الشوارع الموبوئين‪.‬‬
   ‫الرغم من نفي النص التشابه بين الحدث وبين «تأكل‬                                      ‫أخبط رأسي جي ًدا‬
                                                                                    ‫لتسقط منها الأشباح‬
                                 ‫الطير من رأسه»‪.‬‬                ‫فلا تخبرني بما في قلوب الناس حين أراهم‪.‬‬
  ‫وتلك التناصات والمعارضات من السمات البارزة في‬
                                                                                          ‫لأكون حيادية‬
    ‫الديوان والتي تستحق أن تفرد لها دراسة تفصيلية‬                                       ‫وحكيمة كحرباء‬
    ‫تتوسل إجراءات التفكيك واستراتيجياته وصو ًل إلى‬
 ‫حفريات النصوص المعرفية وتصوراته للذات والعالم‪.‬‬                                            ‫أقص أهدابي‬
                                                                                      ‫ليملأ عيني التراب‬
              ‫التكرار كبنية إيقاعية‬                                                ‫فلا أرى كل هذا القبح‬
  ‫على ما اجترحته قصيدة النثر بمفهومها المعاصر من‬
   ‫تحطيم للبنى الإيقاعية المعروفة في القصيدة العربية‬                                    ‫وكل هذه الدماء‬
  ‫بمفاهيم العمود الشعري وصو ًل إلى قصيدة التفعيلة‪،‬‬                                 ‫ثم أشتري باقة زهور‬

      ‫فإن قصيدة النثر ظلت مطالبة بإيجاد نوع ما من‬                                      ‫وأعود إلى البيت‪.‬‬
   ‫الإيقاع يخصها‪ ،‬وهو الأمر الذي شغل النثريين طول‬       ‫إن الأفعال في النص ليست إرادة الذات الشاعرة‪ ،‬كما‬
                                                      ‫يمكن أن نستبطن من ملمح السخرية الخافت في أدائيته‪،‬‬
     ‫عقود منذ جماعة شعر في الخمسينات والستينات‪.‬‬
  ‫وقد طرحت مفاهيم متنوعة تلبسها الغموض في كثير‬              ‫ولكنها استجابات لنصائح مجتمعية‪ ،‬أمومية على‬
 ‫من الأحيان من قبيل «إيقاع الصورة» و»إيقاع المعنى»‬     ‫الأرجح‪ ،‬لكي تكون البنت «طيبة ومؤدبة»‪ .‬وهكذا يعود‬
 ‫و»إيقاع البنية» وغيرها‪ ،‬وكانت تيمة التكرار واحدة من‬  ‫النص في نهايته إلى المعادلة الأولية‪ :‬كنت أود‪ ..‬ولكن‪..‬‬
   ‫السمات الإيقاعية التي اعتمدها شعراء كثيرون كنوع‬
 ‫من الموسقة الشعرية‪ ،‬لا في قصيدة النثر وحدها وإنما‬                                                ‫إذن‪.‬‬

    ‫في الأنواع الشعرية الأخرى‪ ،‬كما حدث في قصيدة‬                  ‫تناصات وتعبيرات معيشة‬
  ‫«الأرض» لمحمود درويش مع تكرارية «في شهر آزار‬             ‫إحدى العلامات اللغوية الدالة في نصوص الديوان‬
                                                            ‫هي احتشاده بالتناصات ذات المرجعيات الدينية‪،‬‬
                ‫في سنة الانتفاضة» على مدار النص‪.‬‬         ‫من القرآن والكتاب المقدس في الأغلب‪ ،‬وبالتعبيرات‬
 ‫في ديوانها «أقص أيامي وأنثرها في الهواء» لمروة أبو‬   ‫اليومية المعيشة‪ ،‬فض ًل عن التناصات الشعرية‪ ،‬من نوع‬
                                                       ‫«عيال الله»‪« ،‬جبر الخاطر»‪« ،‬ولا يحزنون»‪« ،‬يملأ عيني‬
   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109