Page 163 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 163

‫‪161‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

 ‫هذه المسلمات التي هي موضع‬          ‫والمعرفة في عصورهم‪ ،‬ولم يعد‬          ‫في مجموع كتبه التي قدمها منذ‬
 ‫حديثنا القادم‪ .‬إن الهدم والبناء‬     ‫مقبو ًل ولا مستسا ًغا في زمننا‬         ‫العام ‪ 1990‬حتى وفاته‪ .‬ومن‬
                                      ‫القرن العشرين ومطالع القرن‬           ‫أهم هذه الأسس أن اللغة نظام‬
     ‫عند شحرور مغامرة علمية‬           ‫الواحد والعشرين أن نتقيد بما‬        ‫وأنها ظاهرة اجتماعية خاضعة‬
   ‫محسوبة المقدمات والنتائج‪،‬‬         ‫انتهى إليه الأسلاف من نتائج‪،‬‬          ‫للتطور‪ ،‬وأن هناك تلاز ًما بين‬
   ‫واعية بالعواقب المؤلمة التي‬           ‫ولا بما سلكوه من مناهج‪،‬‬           ‫اللغة والتفكير‪ ،‬وأن اللغة تخلو‬
 ‫طالته من التقليديين والحداثيين‬         ‫ولا بما أسسوه من مفاهيم‪،‬‬           ‫من الترادف الذي يظنه البعض‬
                                      ‫لأن البحث العلمي في جوهره‬           ‫سببًا لثراء لغة ما‪ .‬مع أنه يمثل‬
                 ‫على السواء‪.‬‬              ‫ليس إلا البحث عن أجوبة‬
                                     ‫لأسئلة جديدة يفرضها التطور‬          ‫مرحلة تاريخية قديمة كانت فيها‬
           ‫‪-2-‬‬                         ‫الاجتماعي الهائل في عالمنا‪،‬‬          ‫ألفاظ اللغة تعبي ًرا عن التفكير‬
      ‫نقض المسلمات‬                  ‫كما يفرضها التطور الاقتصادي‬             ‫القائم على إدراك المشخص‪،‬‬
‫كان شحرور واعيًا بما هو مقدم‬          ‫والانفتاح الثقافي على تجارب‬
  ‫عليه‪ ،‬بعد أن درس الرياضيات‬           ‫الأمم المختلفة والمتفقة معنا‬      ‫ولم تكن فيها التسميات الحسية‬
 ‫وعلوم الهندسة واللغة والمنطق‬         ‫في الدين واللغة‪ .‬ويفرض كل‬            ‫قد استكملت بعد تركيزها على‬
     ‫ونظرية المعرفة المعاصرة‬
    ‫الناشئة عن العلم التجريبي‪،‬‬      ‫هذا –بالتبعية‪ -‬فه ًما جدي ًدا للدين‬                    ‫المجردات‪.‬‬
 ‫وعن المنطق الرياضي المختلف‬           ‫ووظيفته في التعايش السلمي‬            ‫لم تكن دراسة اللغة ونظرياتها‬
 ‫اختلا ًفا كليًّا عن المنطق الشكلي‬      ‫بين الأمم‪ ،‬وإقرار المشترك‬
  ‫أو العقلي الذي أسسه أرسطو‬                                                     ‫هي المقصد الوحيد لدى‬
  ‫منذ ما قبل الميلاد‪ ،‬وأخذت به‬      ‫الإنساني للتقارب بين الشعوب‪،‬‬            ‫شحرور؛ ولكن وعيه بنظرية‬
    ‫كل مناهج البحث العلمي في‬          ‫وإخراج الدين من دور العبادة‬
 ‫الحضارات القديمة وفي العصر‬                                                   ‫تكامل أوعية المعرفة هداه‬
‫الوسيط‪ ،‬ومنها الحضارة العربية‬               ‫إلى كل مناشط الحياة‪.‬‬            ‫إلى ما لم يهتد إليه غيره ممن‬
 ‫الإسلامية‪ .‬كان شحرور مقد ًما‬          ‫كل هذا التوجه لا يتحقق عند‬          ‫يعزلون أوعية المعرفة بعضها‬
 ‫على بناء معرفة جديدة مناقضة‬        ‫شحرور إلا بمفاهيم مختلفة عن‬            ‫عن بعض‪ .‬فأدرك شحرور أن‬
 ‫للمعرفة التي عشنا عليها قرابة‬       ‫اللغة‪ ،‬وبمقاصد علمية تتواصل‬             ‫اللغة والرياضيات والفلسفة‬
 ‫أربعة عشر قر ًنا هجر ًّيا‪ ،‬شكلت‬       ‫مع العلوم البينية التي تجعل‬        ‫والمنطق كل معرفي واحد يمكن‬
      ‫معالم فهمنا للغة والقرآن‬         ‫العلم التجريبي قرين الفلسفة‬       ‫الباحث عن المعرفة من اكتشاف‬
    ‫والفقه والتاريخ ومعضلات‬           ‫والمنطق واللغة وعلوم البلاغة‬          ‫جديد في ميادين يعتقد معظم‬
 ‫الحرية والقضاء والقدر ونظرية‬         ‫والنحو وعلوم الاتصال‪ .‬لذلك‬
    ‫الدولة والمجتمع والاقتصاد‬           ‫حين امتلك شحرور أسباب‬                 ‫المشتغلين بها أنها اكتملت‬
    ‫والديمقراطية وغير ذلك من‬                                             ‫واستوت على عودها‪ ،‬كما تطيب‬
   ‫المسائل‪ .‬فماذا فعل شحرور‬              ‫هذه المعرفة‪ ،‬امتلك القدرة‬        ‫الثمرة وتنضج على فرعها‪ ،‬ولا‬
  ‫لتأسيس هذه المعرفة الجديدة‬          ‫على نقض ما رآه من مسلمات‬
     ‫التي وصفت بأنها صادمة‪،‬‬         ‫سابقة استقرت في العلم العربي‬            ‫يبقى لها إلا القطاف أو تركها‬
                                                                                     ‫تهوي إلى الأرض‪.‬‬
         ‫ونافية لكل ما سبقها؟‬            ‫القديم عبر مجالاته اللغوية‬
‫سلك شحرور مسلكين هما الهدم‬            ‫والدلالية والأصولية والفقهية‬            ‫انشغل شحرور باللغة كما‬
‫والبناء‪ .‬أما الهدم فكان موضوعه‬        ‫والاجتماعية والتاريخية‪ ،‬وبنى‬         ‫انشغل بها معظم الذين درسوا‬
                                       ‫معرفته الجديدة على أنقاض‬          ‫لغة القرآن في التفسير والأصول‬
                                                                           ‫والنحو والبلاغة‪ ،‬واهتدوا إلى‬

                                                                               ‫نتائج متشابهة أو مختلفة‬
                                                                           ‫جاءت نتاج ما وصل إليه العلم‬
   158   159   160   161   162   163   164   165   166   167   168