Page 164 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 164

‫العـدد ‪21‬‬                                ‫‪162‬‬

                                                    ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬                           ‫كل ما هو مستقر وثابت في‬
                                                                                        ‫الوعي العربي والإسلامي عن‬
            ‫تبنى عليها المقدمات ويجتنى‬                ‫وتمثل لصاحبها همو ًما علمية‬        ‫القرآن والفقه واللغة ونظرية‬
          ‫منها النتائج‪ .‬فما المسلمة؟ إنها‬               ‫مؤرقة‪ .‬لا تجد هذه الأسئلة‬
                                                                                          ‫المعرفة‪ ،‬معتم ًدا على سؤال‬
              ‫إحدى خصوصيات المنطق‬                     ‫بنصها ولكنك تجدها حاضرة‬           ‫جوهري هو‪ :‬أن كل معرفة لها‬
            ‫الأرسطي أو الشكلي المعتمد‬                ‫كامنة وراء كل حرف يكتبه هذا‬
             ‫في تصوراته عن العالم على‬                                                     ‫وظيفة تنهض بها‪ ،‬فلماذا لم‬
         ‫العقل المحض‪ ،‬إذ يعترف بوجود‬                    ‫المفكر العربي المسلم الذي‬        ‫تنهض هذه المعارف والعلوم‬
         ‫مسلمات عقلية لولاها لانتفت كل‬              ‫ينتمي بدينه وعرقه إلى الإسلام‬        ‫المنقولة بوظيفتها في تحقيق‬
           ‫أسباب التحليل والتعليل اللذين‬             ‫والعروبة‪ ،‬وينتمي بعلمه وفكره‬     ‫التقدم العلمي والاجتماعي للعرب‬
            ‫يعتمد عليهما التفكير العقلي‪،‬‬                                                 ‫والمسلمين‪ ،‬ولماذا ظل هؤلاء‬
          ‫لأن قيمة هذه المسلمات تتجلى‬                  ‫إلى الإنسانية كلها‪ ،‬ليقينه أن‬
          ‫فيما يتأسس عليها من مقدمات‬                 ‫الإسلام جاء للناس جمي ًعا‪ ،‬وأن‬        ‫الناس في معزل عن العالم‬
           ‫وما ينتج عنها من نتائج‪ .‬ومن‬                                                   ‫الذي يعيشون فيه وفي حالة‬
            ‫أمثلة هذه المسلمات أن الخط‬                  ‫العلم ميراث البشرية بغض‬           ‫صدام دائم معه أو في حالة‬
          ‫المستقيم هو أقرب مسافة بين‬                  ‫النظر عن موطن العالم ودينه‪.‬‬       ‫تبعية مهينة‪ ،‬على الرغم من أن‬
         ‫نقطتين‪ ،‬وأن الخطين المتوازيين‬                ‫وفي هذا المسلك الذي ارتضاه‬        ‫القرآن الكريم الذي نؤمن به لا‬
           ‫لا يلتقيان‪ .‬فالمنطق الأرسطي‬              ‫شحرور لبناء منهجه الجديد وما‬      ‫يرضى لأتباعه التخلف والمهانة‪،‬‬
‫منطق برهاني يصلدماقالبنماتيانلتهصغييرة بتقولو حلوه‬     ‫يرجوه منه من معرفة جديدة‬         ‫ولا يرضى لهم الصدام الدائم‬
          ‫إليه البرهان حتى لو لم يصدقه‬                  ‫مناقضة لما سبقها ومختلفة‬        ‫مع غيرهم من الأمم؟ أين العلة‬
                                                    ‫عنها ومؤسسة لنظرية معرفية لا‬       ‫إذن؟ هل هي في القرآن مع أنه‬
                        ‫الواقع المادي‪.‬‬              ‫تخاصم الدين ولا الفكر الفلسفي‬      ‫وحي السماء؟! أو هي في اتباع‬
            ‫وقد بدأ شحرور بالنص على‬                                                     ‫المعرفة والعلوم المنقولة التي‬
          ‫أن أمثال هذه المسلمات العقلية‬                   ‫ولا العلم؛ وتكون مرتك ًزا‬      ‫تمثل اجتها ًدا بشر ًّيا مستنب ًطا‬
            ‫هي التي قادت البشرية زمنًا‬                ‫للإنسان المسلم يمنحه الجرأة‬       ‫منه؟ أو هي في المنهج العلمي‬
            ‫طوي ًل إلى قبول ما هو سائد‬              ‫على «التفاعل مع أي إنتاج فكري‬      ‫الذي اتبعوه وتجاوزته المناهج‬
            ‫ومستقر لانسجامه مع منطق‬                   ‫أنتجه الإنسان بغض النظر عن‬
          ‫العقل المحض‪ ،‬وإن تجافى عن‬                 ‫عقيدته»‪ ،‬ليقين شحرور أن غياب‬           ‫العلمية المعاصرة‪ ،‬وأصبح‬
          ‫منطق التجربة وحقائق الطبيعة‬                  ‫هذه النظرية «أدى بالمسلمين‬      ‫لزا ًما علينا أن نعود لهذا الكتاب‬
        ‫والكون‪ .‬ومن ذلك قوله «لو رسم‬                  ‫إلى التفكك الفكري‪ ،‬والتعصب‬
           ‫إنسان ما صورة لوجه إنسان‪،‬‬                  ‫المذهبي‪ ،‬واللجوء إلى مواقف‬          ‫الكريم بما نمتلك من أدوات‬
                                                     ‫فكرية أو سياسية تراثية مضى‬         ‫جديدة وعلوم جديدة لنستنبط‬
              ‫ورسم له عينًا واحدة فقط‪،‬‬                 ‫عليها مئات السنين تقوم على‬     ‫منه معرفة جديدة ورؤية مناسبة‬
           ‫فإن أول امريء ينظر إلى هذه‬                 ‫كيل الاتهامات بالكفر والإلحاد‬
         ‫الصورة سيلاحظ بسرعة الخطأ‬                    ‫والزندقة والهرطقة والمعتزلية‬        ‫لزمننا وما يطرحه علينا من‬
           ‫في الرسم‪ ،‬ولن يتريث قبل أن‬                                                   ‫أسئلة تختلف عن الأسئلة التي‬
            ‫يقول تنقصها عين‪ .‬ولكنه لو‬                     ‫والقدرية والجبرية لهؤلاء‬       ‫شغلت أسلافنا واجتهدوا في‬
         ‫رسم صورة لوجه من مرآة (أي‬                   ‫وهؤلاء‪ .‬كل هذا بهدف الخروج‬        ‫صياغة إجابات لها نفعتهم ولم‬
           ‫رسم الوجه معكو ًسا) وقدمها‬               ‫من مأزق فكري يقع فيه المسلم‬
            ‫للناس‪ ،‬فإنه قد يراها ملايين‬                                                     ‫تعد قادرة على أن تنفعنا‪.‬‬
                                                       ‫في مواجهة الفكر المعاصر»‪.‬‬        ‫هذه الأسئلة وغيرها غيض من‬
                                                    ‫نقول في هذا المسلك‪ ،‬راح يفتش‬      ‫فيض يواجهه من يقرأ شحرور‪،‬‬

                                                      ‫في المسلمات الأولى التي تعد‬
                                                        ‫ركيزة منطقية لا تقبل الشك‬
   159   160   161   162   163   164   165   166   167   168   169