Page 167 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 167

‫‪165‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

  ‫معاني الألفاظ التي بحث فيها‪،‬‬           ‫تمثلت في نظام اللغة وفي‬       ‫‪ -‬الانطلاق من أن اللغة نظام‪.‬‬
 ‫لأن ابن فارس تلميذ ثعلب‪ ،‬وقد‬        ‫تطورها وفي بعدها الاجتماعي‬      ‫‪ -‬اللغة ظاهرة اجتماعية‪ ،‬وترتبط‬
  ‫أخذ برأي أستاذه حول التباين‬
                                        ‫وفي علاقتها بالتفكير‪ .‬وقد‬      ‫البنية اللغوية بوظيفة الاتصال‬
   ‫بين اسم الذات واسم الصفة‪.‬‬         ‫اتفقت هذه المباديء نفسها مع‬                 ‫التي تؤديها اللغة‪.‬‬
     ‫وعبارة ثعلب مشهورة (ما‬         ‫توجهه الفكري والعلمي المتمثل‬
                                                                            ‫‪ -‬تلازم اللغة والتفكير‪.‬‬
   ‫يظن في الدراسة اللغوية من‬            ‫في اجتماعية العلم وتطوره‬     ‫وبما أن النظام اللغوي في حركة‬
‫المترادفات هو من المتباينات)»‪.‬‬      ‫وتاريخيته بما يحقق نسبيته من‬
                                    ‫جهة وتراكميته من جهة أخرى‪،‬‬         ‫مستمرة‪ ،‬لذا يجب أن يستخدم‬
           ‫‪-3-‬‬                       ‫وبناء على هذه الأسس النظرية‬     ‫في دراسته منهج تاريخي علمي‪،‬‬
‫القراءة المعاصرة وفقه الواقع‬         ‫الواضحة نهض منهج شحرور‬
                                    ‫اللغوي العلمي الذي وضع مادة‬       ‫يقوم على المباديء العامة التي‬
    ‫«الكتاب والقرآن» هو الكتاب‬                                           ‫اهتدى إليها تلميذا أبي علي‬
    ‫المؤسس لمشروع شحرور‬              ‫«الكتاب المنزل» تحت مجهره‪،‬‬
   ‫بما ضم من فروض ومفاهيم‬           ‫كما وضع كل مقولات اللغويين‬        ‫الفارسي‪ :‬ابن جني والجرجاني‬
 ‫وإجراءات ونتائج‪ .‬فقد استغرق‬        ‫والفقهاء والمفسرين تحت وعيه‬                            ‫وهي‪:‬‬
 ‫تكوين هذا الكتاب عشرين عا ًما‬       ‫النقدي‪ ،‬وانتهى به هذا المنهج‬
‫من ‪1990 -1970‬م‪ ،‬أولا لاتساع‬                                            ‫‪ -‬التلازم بين النطق والتفكير‬
  ‫مادته التي طالت كتا ًبا راس ًخا‬     ‫إلى نتائجه المتفردة من حيث‬      ‫ووظيفة الإبلاغ منذ بداية نشأة‬
     ‫بجذوره في وعي الإنسان‬          ‫مسعى شحرور واجتهاده‪ ،‬ومن‬
    ‫وذاكرة التاريخ أعني القرآن‬                                            ‫الكلام الإنساني‪ .‬وقد نطق‬
  ‫الكريم‪ ،‬وثانيًا لأن شحرور لم‬         ‫حيث وضعها في مقابلة مع‬           ‫الإنسان الأصوات بشكل واع‬
   ‫يستطع أن يؤسس لكتابه هذا‬          ‫غيرها من نتائج السابقين عليه‬    ‫ليستخدمها وسيلة لنقل أغراضه‬
    ‫إلا بعد أن أعاد بناء معرفته‬      ‫من التقليديين والحداثيين ومن‬
  ‫اللغوية بنا ًء صحي ًحا مكنه من‬                                                        ‫للآخرين‪.‬‬
‫توظيفها في فهم نصوص القرآن‬             ‫أمثاله من قراء الفكر الفقهي‬       ‫‪ -‬لم ينشأ التفكير الإنساني‬
  ‫فه ًما مخال ًفا ومناق ًضا لكل من‬   ‫والأصولي التاريخي الذي نشأ‬          ‫مكتم ًل طفرة واحدة‪ ،‬ولكنه‬
 ‫سبقه‪ ،‬وثالثًا لأن شحرور ربط‬
   ‫بين العلم التجريبي ونظريات‬          ‫حول «الكتاب المنزل» ووف ًقا‬           ‫تطور من مرحلة إدراك‬
 ‫التطور والعلم اللغوي في أبهى‬       ‫لما وضحنا وبيَّنا‪ ،‬فإن شحرور‬     ‫المشخص المحسوس إلى إدراك‬
     ‫مقولاته عن اجتماعية اللغة‬
 ‫وتطورها واختلاف دلالاتها من‬            ‫حين تبنى المنهج التاريخي‬       ‫المجردات‪ .‬وقد حدث هذا فيما‬
 ‫زمن إلى زمن مع ثبات الدوال‪،‬‬        ‫العلمي ‪-‬كما يقول رفيقه جعفر‬          ‫يتصل بعلاقة النظام اللغوي‬
 ‫وبين الأنساق الفلسفية الكبرى‬         ‫دك الباب‪« -‬ركز على التلازم‬          ‫بالتفكير الإنساني‪ .‬فالنظام‬
 ‫في القرن العشرين خاصة التي‬                                             ‫اللغوي لم ينشأ مكتم ًل طفرة‬
 ‫ركزت على الوظيفة الاجتماعية‬            ‫بين اللغة والتفكير ووظيفة‬
                                    ‫الاتصال منذ بداية نشأة الكلام‬    ‫واحدة‪ ،‬بل نشأ واكتمل تدريجيًّا‬
     ‫للفكر‪ ،‬وعلى دور الإنسان‬         ‫الإنساني‪ ،‬وانطلق من أن اللغة‬         ‫بشكل مواز لنشأة التفكير‬
   ‫الفاعل في المجتمع والتاريخ‬                                                   ‫الإنساني واكتماله‪.‬‬
                                        ‫الإنسانية كانت منطوقة في‬
                                      ‫نشأتها الأولى‪ ،‬وأنكر ظاهرة‬       ‫‪ -‬إنكار الترادف الذي قد يظنه‬
                                     ‫الترادف في العربية‪ .‬لذا اختار‬    ‫البعض سببًا لتميز لغة ما بثراء‬
                                        ‫معجم (مقاييس اللغة) لابن‬
                                       ‫فارس واعتمده مرج ًعا ها ًّما‬     ‫مفرداتها وسعة التعبير فيها‪.‬‬
                                       ‫يستند إليه في تحديد فروق‬         ‫لعلنا نلحظ أن شحرور كان‬
                                                                         ‫مأخو ًذا بما انتهى إليه هذان‬
                                                                     ‫العلمان –ابن جني وعبد القاهر‪-‬‬
                                                                        ‫من مباديء نظرية اللغة التي‬
   162   163   164   165   166   167   168   169   170   171   172