Page 171 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 171
169 الملف الثقـافي
بين الأصالة والسلفية من حيث تاريخية وآنية في الوقت نفسه، رؤيتنا للتراث وما يتصف به
إن ك ًّل منهما عودة إلى الأصل. فهي مفاهيم ذات دلالة كاشفة من صفات ،كما يحكم قراءاتنا
لذلك يحرص على إزالة هذا لحال ما نسميه «الحضارة المتعددة له أي ًضا .على أية
اللبس فيؤكد أن السلفي يقف العربية الإسلامية» التي صارت حال ،فإن الأصالة لا تكتمل
عند النموذج الذي تبلور في زمن بمنجزها التاريخي حضارة ذات إلا باتصالها بالقديم الأصيل،
مضى لا يتخطاه ،ويتخذ منه جذور توقفت عن إنتاج «الثمار»، وقدرتها على الاستمرار والوفاء
مثا ًل في الفهم والفعل وتفسير
التاريخ ،فهو مقلد «ولهذا السبب بمعنى أن العودة التاريخية بمتطلبات الواقع الجديد.
لهذه الجذور ،صارت عودة غير ولو أردنا أن نربط بين المفاهيم
وقع في فراغ فكري وصل ذات معنى ،وغير مسعفة لأهلها
إلى حد السذاجة .فقد ترك في مواجهة تحديات الحضارة الثلاثة :التراث .المعاصرة.
القرن العشرين عم ًدا ليعجز الأصالة ،لوجدنا أن الرابط بينها
في الوقت نفسه عن أن يعيش المعاصرة ،وبذلك صرنا أمام
القرن السابع الهجري كما عاشه أمرين هما :إما أن نسلم بموت هو القدرة على تجاوز الزمن،
أهله .فوقع في شرك الغراب هذه الجذور ،أو أن نعيد قراءة والاستجابة للأسئلة الجديدة في
الذي أراد أن يقلد صوت البلبل زمن مختلف ،والعطاء المتجدد.
فلم يستطع ،ثم أراد أن يرجع مصادرها في ضوء العلم
غرا ًبا فنسي .فالسلفية هروب المعاصر لا كتشاف الأجنة الحية وهذا يعني النسبية ،والحركة،
مقنع من مواجهة تحديات القرن والمرونة ،وهي مجموعة
ووصلها بمهاد جديدة تنطلق
العشرين». منها وتعانق أشواق الحياة. الصفات المميزة للتطور .فقراءة
وبعد ،فبنا ًء على ما سبق ،نرى هذا المشكل الحضاري ،ليس شحرور للنص القرآني تحكمها
مشك ًل تاريخيًّا فقط ،بل هو
ان شحرور ينطلق من أسس أي ًضا مشكل علمي وفكري هذه المفاهيم الثلاثة ،فهي
نظرية ذات جذور معرفية في وثقافي وفني ،بما يتيح لنا أن مستجيبة لواقع مختلف ،وناشئة
اللغة والفكر والعلم المعاصر، نطلق عليه وصف «المشكل
ليقرأ على هديها :التراث ،والواقع الحضاري» ،الذي يعني أن أمة من نظرية معرفية جديدة،
المعيش ،وعلى هدي كل ذلك هي الأمة العربية والإسلامية، ومتصلة بعطاء العلم والفكر عند
يقرأ «الكتاب والقرآن» قراءة هي إحدى الأمم الحية في
لا أقول إنها جديدة كل الجدة، هذا الزمن ،بجوار أمم أخرى الأمم الأخرى.
فالجدة ذات مستويات ،ولكنها أوفر نشا ًطا وحيوية وإنتا ًجا وهذا ما دعا شحرور إلى القول
مغايرة لما سبقها ،وناقضة لما ومشاركة في حضارة العلم «إذا أردنا أن نكون أصيلين في
بنيت عليه من مسلمات .ولنبدأ والفكر والفن المعاصرين ،ولا
يمكن استمرار بقاء هذه الامة إلا المعرفة ،فعلينا أن نستفيد من
في تلمس ذلك في اللغة. بالمشاركة ،وليس الاستهلاك، كل تراكمات المعرفة التي أنتجها
في حضارة زمنها .ولن يتسنى
-4- لها ذلك إلا ببعث الأصيل، الإنسان ،ومن ضمنها التراث
اللغة وغاية المعاصرة في كل العلوم (الجذور) وهي
هل نستطيع القول إن المصادر وتأصيل الجديد. العنصر الأول للأصالة بحيث
في ضوء هذا الفهم ،يخشى نحقق قفزة نوعية (الثمار) وهي
اللغوية التي اعتمد عليها شحرور من التباس المفاهيم العنصر الثاني للأصالة .وهذا
شحرور حققت له غاية القراءة
ما نسميه بالحضارة الحية.
فالحضارة الحية ،لها جذور
وتعطي ثما ًرا ينتفع بها الناس،
ليس في موسم واحد فقط ،بل
في مواسم متتابعة» ،وإذا كانت
هذه المفاهيم الثلاثة مفاهيم