Page 173 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 173

‫لقد سعى شحرور إلى الخروج من عباءة‬                              ‫تصنيف «الكتاب» وتبويبه على‬
‫الأسلاف‪ ،‬كما رفض موقف الخصوم‪ .‬ومن ثم‬                                 ‫أسس معلومة من اللغة والعلم‬
‫لم يكن متب ًعا لأحد من الأسلاف‪ ،‬ولا لأحد من‬                         ‫تتيح له استنباط مباديء نظرية‬
 ‫الخصوم‪ .‬لقد اختار أن ينحي إيمانه بالقرآن‬
‫جانًبا‪ ،‬وآثر أن يشك في المسلمات أو الأسس‬                               ‫وعلمية تجعل هذا «الكتاب»‬
                                                                     ‫حاض ًرا في الواقع الاجتماعي‬
   ‫التي بنى عليها الأسلاف قراءاتهم للقرآن‬
      ‫سواء في التفسير‪ ،‬أو استنباط الأحكام‬                                 ‫والمعرفي في كل عصر‪،‬‬
                 ‫وإنزالها على مجريات الواقع‬                          ‫ولدى كل أمة‪ ،‬وبذلك يستطيع‬
                                                                     ‫مناقضة ما استقر لدى الفقهاء‬
‫وضعهم قواعد التأويل كما يقول‬             ‫البينات»‪ ،‬وهي مكون من‬        ‫والمفسرين والكتاب وغيرهم‬
  ‫شحرور‪ .‬فقد أدى هذا الإغفال‬          ‫مكونات القرآن الذي يقع فيه‬      ‫ممن شكلوا ترا ًثا فكر ًّيا حول‬
                                     ‫«التشابه» يقول‪« :‬إنها سميت‬    ‫القرآن الكريم‪ .‬لقد ذهب شحرور‬
‫إلى دخول الفلسفة الصوفية في‬        ‫بينات لأنها موجودة أو حصلت‬       ‫إلى الأصل ‪-‬القرآن‪ -‬الذي دار‬
   ‫تأويل القرآن وحولت العقيدة‬         ‫خارج الوعي الإنساني‪ ،‬فهي‬
                                      ‫قابلة للإبصار‪ ،‬أو لأن تعقل‪.‬‬      ‫حوله هذا التراث التاريخي‪،‬‬
 ‫الإسلامية إلى التفكير الخرافي‪،‬‬     ‫والإبصار هو التأويل الحقيقي‬       ‫وأمعن فيه كل أدوات القراءة‬
‫وما زلنا نعيش هذه المأساة إلى‬       ‫النهائي بعينه‪ :‬أي تحويل الآية‬  ‫المتاحة له عبر التأويل‪ ،‬وانطلا ًقا‬
                                    ‫من علم إخباري إلى علم نظري‬         ‫مما توصل إليه‪ ،‬وجه سهام‬
  ‫يومنا هذا‪ .‬فقد ورثنا مسلمات‬        ‫يدعمه العلم الحسي فيما بعد‪،‬‬   ‫نقده إلى كل المختلفين عنه وهم‬
      ‫عقائدية نظن أنها قرآنية‪.‬‬     ‫أو تحويل الآية مباشرة إلى علم‬   ‫سواء في القديم أو في الحديث‪.‬‬
                                                                       ‫إذن‪ ،‬فالتأويل لدى شحرور‬
  ‫ولايقع التأويل إلا في القرآن‬                         ‫حسي»‪.‬‬          ‫هو أداته المعرفية لبلوغ غاية‬
   ‫لأنه كما يقول شحرور «نبوة‬        ‫وهذا التأويل كما أشرنا‪ ،‬ينقل‬    ‫المعاصرة من جهة‪ ،‬وغاية بناء‬
                                                                   ‫معرفة مختلفة تنتقل بالقرآن من‬
     ‫محمد‪ ،‬ولأنه كله (أنباء عن‬         ‫الآيات من التاريخ ‪-‬أي من‬      ‫أسر التاريخ وأسباب النزول‪،‬‬
 ‫حقائق) وهو الذي يشكل جز ًءا‬           ‫التواتر والترديد الذي يغفل‬  ‫ومن عزلة المتصوفة‪ ،‬ومن أسر‬
‫كبي ًرا من آيات الكتاب‪ .‬وكل آياته‬      ‫التطور المعرفي‪ -‬إلى العلم‬   ‫القومية واللغة التي نزل بها‪ ،‬إلى‬
                                    ‫الذي يجعل الآيات حاضرة في‬        ‫رحابة العلم وتطوره‪ ،‬ورحابة‬
    ‫من المتشابهات‪ ،‬مضا ًفا إليه‬     ‫الوعي المتجدد‪ ،‬وقابلة للتأويل‬
‫السبع المثاني التي تحمل مطلق‬          ‫على حسب درجات العلم في‬            ‫الإنسانية التي تتخطى كل‬
                                    ‫كل عصر‪ .‬وعرض الآيات على‬           ‫حواجز الدين واللغة والعرق‪.‬‬
   ‫الحقيقة في صياغتها ونسبية‬        ‫بساط العلم يعني مطابقتها مع‬        ‫وبما أن النص المؤول نص‬
‫الفهم‪ .‬وهذه النسبية إما فلسفية‬     ‫الحقيقة الموضوعية (إبصارها)‪،‬‬
                                      ‫وهذا ما أغفله المسلمون عند‬         ‫لغوي‪ ،‬فإن اللغة هي سند‬
   ‫أو علمية‪ ،‬أو تاريخية»‪ .‬ولأن‬                                       ‫شحرور في فهم كلمة التأويل‬
  ‫التأويل أتاح لشحرور أن يميز‬                                         ‫وهي الوصول إلى الغاية من‬
‫في الكتاب بين الآيات المحكمات‬                                         ‫الشيء‪ .‬فتأويل الشيء يعني‬
                                                                     ‫الوقوف على نهايته في ضوء‬
   ‫(الرسالة) والقرآن ‪-‬وكل ما‬                                        ‫ما هو متاح من العلم والمعرفة‪.‬‬
    ‫ورد من آياته تصديق لنبوة‬                                       ‫لذلك نراه في حديثه عن «الآيات‬
  ‫محمد‪ ،‬وإنباء عن حقائق‪« -‬لا‬
   168   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178