Page 177 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 177

‫‪175‬‬

‫ابن عربى‬                         ‫أبو حامد الغزالى‬                     ‫أنه موصوف بالكمال والتمام‬
                                                                       ‫والدقة‪ ،‬فإنه مكتف بذاته لا‬
     ‫والفاعل والمفعول والصفة‬        ‫مع ثبات الدوال‪ .‬فهل ينطبق‬          ‫يحتاج إلى شيء من خارجه‬
       ‫المشبهة وصيغ المبالغة‬        ‫هذا على الكتاب المنزل؟ فهو‬
                                   ‫لغة تلقاها أهلها وقت التنزيل‪،‬‬      ‫لفهمه على حد قول شحرور‪.‬‬
‫والمصدر‪ .‬يقول ابن جني «وأما‬                                          ‫ينطبق ذلك على العلم المنظور‬
  ‫الاشتقاق الأكبر فهو أن تأخذ‬         ‫وتلقاها الناس بعدهم عبر‬         ‫والعلم المسطور في «التنزيل‬
    ‫أص ًل من الأصول الثلاثية‪،‬‬        ‫التاريخ‪ ،‬وهذه اللغة خاطبت‬       ‫الحكيم»‪« :‬فإن الوجود المادي‬
 ‫فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة‬        ‫الناس جمي ًعا على اختلاف‬
   ‫معنًى واح ًدا تجتمع التراكيب‬       ‫لغاتهم وبلادهم وثقافاتهم‬          ‫وقوانينه هما (كلمات الله)‪.‬‬
    ‫الستة وما يتصرف من كل‬        ‫وأعراقهم‪ .‬فالنص ثابت لم يتغير‬      ‫وأبجدية هذه الكلمات هي علوم‬
                                 ‫ولم تزد تراكيبه أو مفرداته ولم‬      ‫الفيزياء والكيميا والجيولوجيا‬
‫واحد منها عليه‪ ،‬وإن تباعد شيء‬    ‫تنقص‪ ،‬ولكن السياقات المعرفية‬
 ‫من ذلك عنه رد بلطف الصنعة‬           ‫عند المتلقي هي التي تتغير‬         ‫وغيرها‪ .‬فهذا الوجود مكتف‬
     ‫والتأويل إليه» الخصائص‪:‬‬       ‫حسب كل فترة تاريخية‪ .‬ومن‬           ‫ذاتيًّا ولا يحتاج إلي شيء من‬
  ‫‪ .2/136‬فـ»كتب» وهي أصل‬           ‫هنا‪ ،‬فإن تأسيس دلالة الكتاب‬     ‫خارجه لفهمه‪ ،‬وهو لا يكذب على‬
   ‫ثلاثي لها تقاليب ستة تتكون‬      ‫مهم كل الأهمية عند قراءة ما‬       ‫أحد ولا يغش أح ًدا وهو عادل‬
‫من الحروف الثلاثة‪ ،‬وكل تقليب‬     ‫احتواه هذا الكتاب من نصوص‪.‬‬        ‫في ذاته (وتمت كلمة ربك صد ًقا‬
                                   ‫ولا بد أن يعتمد هذا التأسيس‬     ‫وعد ًل)»‪ ،‬وينطبق هذا المبدأ كليًّا‬
‫من هذه التقاليب الستة له تقليب‬                                         ‫على (التنزيل الحكيم) يقول‬
    ‫في وجوه ستة أي ًضا يسمى‬           ‫على مباديء نظرية لغوية‬       ‫شحرور‪« :‬بما أن التنزيل الحكيم‬
    ‫الاشتقاق الأصغر‪ ،‬وأن هذه‬       ‫تستجيب لأمر التطور والتغير‬       ‫هو كلام الله‪ ،‬فوجب بالضرورة‬
                                  ‫الدلالي ووظيفة اللغة اجتماعيًّا‬
‫الاشتقاقات الصغرى أو الكبرى‬      ‫ومعرفيًّا‪ ،‬لذلك استعان شحرور‬          ‫أن يكون مكتفيًا بذاته‪ .‬وهو‬
‫تدور حول معنى مركزي واحد‪،‬‬         ‫بنظرية ابن جني في الاشتقاق‬       ‫كالوجود لا يحتاج إلى شيء من‬
                                   ‫اللغوي الأصغر والأكبر‪ ،‬التي‬
    ‫وأن هذا المعنى هو المعنى‬      ‫ترى أن المادة اللغوية تتمحور‬       ‫خارجه لفهمه‪ .‬لذا فإن مفاتيح‬
  ‫الأصل الذي تتفرع منه معاني‬     ‫حول دلالة مركزية تتقلب بتقلب‬        ‫فهم التنزيل الحكيم ليست من‬
 ‫ثانوية كثيرة‪ ،‬كل منها مختلف‬       ‫الصياغة الصرفية‪ ،‬مثل الفعل‬        ‫خارجه‪ ،‬بل هي بالضرورة من‬
  ‫عن الآخر‪ .‬معنى هذا أن الدال‬
 ‫اللغوي كان في بدايته ذا معنى‬                                          ‫داخله (تفصيل الكتاب) وما‬
  ‫واحد تفرعت منه معان أخرى‬                                            ‫دامت المعرفة أسيرة أدواتها‪،‬‬

                                                                         ‫فإن التنزيل الحكيم مطلق‬
                                                                       ‫في ذاته‪ ،‬لكنه نسبي لقارئه‬
                                                                       ‫لأن نسبيته تتبع تطور نظم‬

                                                                                      ‫المعرفة»‪.‬‬
                                                                   ‫ومادام الكتاب مكتفيًا بذاته‪ ،‬فإن‬

                                                                       ‫مفاتيح فهمه تكمن في اللغة‬
                                                                     ‫التي صيغ بها‪ .‬وهذه اللغة لها‬
                                                                    ‫بعدان‪ :‬بعد تاريخي‪ ،‬وبعد آني‪.‬‬
                                                                   ‫وهي في بعديها تستجيب للتطور‬

                                                                        ‫التاريخي وتحول الدلالات‬
   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182