Page 180 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 180

‫العـدد ‪21‬‬                               ‫‪178‬‬

                                   ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬                           ‫هو الرسالة بما تضمه من‬
                                                                      ‫كتب كبرى‪ :‬العبادات‪ .‬الحدود‪.‬‬
     ‫المعجزة وقت التبليغ‪ .‬فهل‬           ‫وجودها وجود غفل إن لم‬       ‫الأخلاق‪ .‬تعليمات عامة وخاصة‪.‬‬
    ‫سيظل الإنسان محتا ًجا إلى‬          ‫تكن ذات وظيفة‪ ،‬ولن يكون‬
    ‫المعجزة حتى يومنا هذا‪ ،‬أو‬        ‫لها ذلك إلا إذا اكتشفها الوعي‬        ‫وموضوع القرآن الوجود‬
 ‫يصدق نبوة الأنبياء أو رسالات‬         ‫الإنساني وأدخلها في سياق‬       ‫الموضوعي والتاريخ الإنساني‪.‬‬
 ‫السماء؟ فقد كان من مقتضيات‬         ‫الوجود الفعال‪ .‬وهذا مغزى أن‬       ‫والموضوعان هدفهما الإنسان‬
   ‫النبوة إقامة الدليل والبرهان‬        ‫يشتمل الكتاب على الرسالة‬     ‫وإعمار الكون والأرض‪ .‬وبما أن‬
   ‫لإقناع المخاطبين بهذا الوافد‬        ‫وهي مباديء وسلوك وقيم‬         ‫جانبًا كبي ًرا من الرسالة وضحه‬
  ‫الجديد الذي يحدثهم حديثًا لم‬     ‫وأخلاق لا تتعلق بإيمان أو كفر‪،‬‬    ‫الله في الكتب السابقة‪ ،‬وأن الله‬
  ‫يعرفوه من قبل‪ .‬ولكي يتمكن‬           ‫وأن يشتمل على القرآن وهو‬      ‫ختم بهذه الرسالة كل الرسالات‪،‬‬
 ‫من استقطابهم لإحداث التغيير‬          ‫حقائق موضوعية في الكون‬
     ‫المنتظر على وجه الأرض‪،‬‬        ‫والطبيعة‪ .‬والسؤال الذي نطرحه‬        ‫فإن نبي هذه الرسالة محم ًدا‬
  ‫فتتبدل الحياة كيفيًّا من الظلام‬    ‫الآن‪ :‬قيل في القديم إن القرآن‬     ‫(ص) مؤيد من الله بتصديق‬
‫إلى النور‪ ،‬ومن الظلم إلى العدل‪،‬‬     ‫كتاب معجز وهم يقصدون كل‬           ‫الأمرين م ًعا‪ :‬الرسالة والقرآن‪.‬‬
 ‫ومن الفوضى إلى النظام‪ ،‬ومن‬         ‫النصوص التي أتى بها الوحي‬
 ‫عبثية الوجود إلى غائية الحياة‪،‬‬    ‫وتقع بين دفتي المصحف‪ ،‬فأين‬             ‫يقول شحرور‪« :‬أراد الله‬
     ‫ومن الإيمان بالشهود إلى‬           ‫يقع الإعجاز حسب تصنيف‬        ‫سبحانه وتعالى أن يبلغ رسالته‬
                                     ‫وتبويب شحرور؟ هل يقع في‬
              ‫الإيمان بالغيب‪.‬‬         ‫الكتاب كله أو يقع في القرآن‬       ‫(الأحكام) للناس ليبين لهم‬
‫فإذا كانت المعجزة ضرورية في‬        ‫وحده؟ وما المقصود بالإعجاز؟‬       ‫فيها العبادات والأخلاق وقواعد‬
 ‫وقتها لتحقيق كل هذه الغايات‪،‬‬      ‫هل هو الإعجاز بمعناه المتواتر؟‬    ‫السلوك الإنساني‪ .‬هذه الأحكام‬
‫فهل ما زالت ضرورية الآن وغ ًدا‬      ‫أو هو الإعجاز بمعنى آخر غير‬      ‫بمجموعها تسمى « كتاب الله»‪،‬‬
‫لتحقيق غاياتها في إنقاذ الإنسان‬
 ‫والوجود كله من مآلات مهلكة‪،‬‬                          ‫المتواتر؟‬        ‫وهي بحاجة إلى توقيع ممن‬
                                                                    ‫أرسلها ليعلم الناس أنها من الله‪.‬‬
 ‫ومصائر صعبة؟ باختصار هل‬                     ‫‪-6-‬‬
    ‫نستطيع الآن تجاهل قضية‬          ‫الكتاب والقرآن والإعجاز‬           ‫وكان توقيعه «القرآن والسبع‬
                                    ‫كتبت في نهاية عام ‪ 2016‬عدة‬          ‫المثاني»‪ ،‬حيث جعل حقيقة‬
  ‫الإعجاز بعد أن حسمت وأدت‬          ‫مقالات عن الإعجاز‪ ،‬منها مقالة‬
‫وظيفتها في إقرار النبوة وتأكيد‬                                      ‫الوجود تصدي ًقا لقواعد السلوك‪.‬‬
                                       ‫باسم «الصرفة بحث خارج‬        ‫فرسالة محمد فرقت بين الحلال‬
  ‫الوحي‪ ،‬ولم يعد على الإنسان‬          ‫النص»‪ ،‬ضممتها وغيرها من‬        ‫والحرام في السلوك الإنساني‪.‬‬
‫الراغب في الطريق إلى الله إلا أن‬      ‫المقالات والموضوعات ذات‬       ‫ونبوته فرقت بين الحق والباطل‬
                                     ‫الصلة في كتاب نشرته باسم‬
  ‫يسلكه على هدي من نصوص‬            ‫«في صحبة القرآن» عام ‪.2019‬‬         ‫(الوهم والحقيقة) في الوجود‬
    ‫الوحي مقترنة بإعمال العقل‬         ‫تحدثت في صدر هذه المقالة‬                      ‫الموضوعي»‪.‬‬
                                       ‫عن ضرورة قضية الإعجاز‬
‫الذي يفيد من تراث العلم والفكر‬        ‫وعن جدوى طرحها الآن في‬           ‫فالصلة بينهما صلة عضوية‬
   ‫والإيمان؟ وهل القول الجديد‬      ‫حياتنا المعاصرة‪ .‬قلت‪« :‬اعتمدت‬          ‫وظيفية‪ .‬فالكتاب والقرآن‬
  ‫في المعجزة يستدعي التاريخ‪،‬‬         ‫كل رسالات السماء على حجة‬
                                                                        ‫يتصلان بالحقائق الإنسانية‬
‫أو يستدعي نصوص القرآن كما‬                                               ‫وبالحقائق الموضوعيةـ أو‬
        ‫هي محفوظة ليسائلها؟‬                                            ‫بمعنى آخر يتصلان بالوعي‬
                                                                         ‫وموضوع الوعي‪ .‬فحقائق‬
     ‫هل نستطيع تجاهل قضية‬                                               ‫الوجود المستقلة عن الوعي‬
   175   176   177   178   179   180   181   182   183   184   185