Page 184 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 184

‫العـدد ‪21‬‬                                 ‫‪182‬‬

                                       ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬                            ‫وإنا له لحافظون»‪ ،‬والنسبي‬
                                                                            ‫جاء في المحتوى المتحرك في‬
   ‫ومن هنا‪ ،‬فإن معجزة القرآن‬               ‫جاء معج ًزا لأمة واحدة هي‬      ‫التأويل‪ .‬وهذا ما نسميه بخاصية‬
   ‫باقية ومتجددة ببقاء الفطرة‪،‬‬           ‫الأمة التي تلقته أو ًل وهذا غير‬   ‫التشابه‪ .‬وهذا يدعو العقل دائ ًما‬
 ‫والتغير والتطور‪ ،‬أو فلنقل ببقاء‬         ‫صحيح‪ .‬فالقرآن خطاب للناس‬           ‫إلى مراجعة (الذكر) في ضوء‬
‫التاريخ‪ .‬وببقاء القرآن ومعجزته‪،‬‬                                           ‫أدوات التأويل العلمية والتاريخية‬
 ‫تبقى الرسالة لأن القرآن برهان‬              ‫لأن مصدره هو رب الناس‬           ‫والفلسفية في كل عصر وعلى‬
                                        ‫وليس خطا ًبا لأمة دون أمة ولا‬
                        ‫لها‪.‬‬            ‫لزمن دون زمن‪ .‬وهذا يستدعي‬                       ‫امتداد البسيطة‪.‬‬
  ‫إن اعتماد شحرور على مقولة‬             ‫البحث الدائم عن وجوه إنسانية‬         ‫راب ًعا‪ :‬مادام القرآن قد حوى‬
                                                                             ‫الحقيقة المطلقة للوجود‪ ،‬فإن‬
      ‫التطور سواء في اللغة‪ ،‬أو‬                      ‫وعلمية للإعجاز‪.‬‬          ‫هذه الحقيقة قد صيغت لغو ًّيا‬
     ‫الوجود‪ ،‬أدى به إلى قراءة‬                                             ‫في خطابين يصعب ‪-‬إن لم يكن‬
   ‫القرآن قراءة رياضية علمية‪،‬‬                     ‫‪-7-‬‬                     ‫مستحي ًل‪ -‬أن تجدهما مجتمعين‬
      ‫خرجت به من إطار كتاب‬                   ‫نتائج المنهج‬                 ‫في نص واحد بل في آية واحدة‪.‬‬
   ‫العقيدة‪ ،‬ومن إطار كتاب نزل‬          ‫ومما سبق‪ ،‬يتبين لنا أن شحرور‬       ‫وهذان الخطابان‪ :‬الخطاب العلمي‬
 ‫في أمة معينة‪ ،‬ومن إطار اللغة‪.‬‬           ‫يرى وقوع الإعجاز في القرآن‬           ‫الرياضي البرهاني‪ ،‬والثاني‬
 ‫وهي حدود مانعة‪ .‬هذه الحدود‬              ‫وليس في الكتاب كله‪ ،‬وأن هذا‬       ‫الخطاب الأدبي والخطابي‪ .‬وقد‬
 ‫المانعة‪ :‬العقيدة‪ .‬القومية‪ .‬اللغة‪،‬‬      ‫الإعجاز مرتبط بما احتوى عليه‬        ‫عرفنا في كل خطاب من هذين‬
 ‫حدود عازلة وقاهرة‪ ،‬تجعل أي‬               ‫القرآن من كتب الوجود‪ ،‬وأن‬         ‫الخطابين نماذج بشرية كبرى‬
 ‫كتاب مثل القرآن رهن تاريخه‪،‬‬           ‫هذه الكتب هي مجال دائم للبحث‬           ‫تفردت بالعبقرية في خطاب‬
 ‫ورهن لغته‪ ،‬ورهن من يؤمنون‬                ‫والمعرفة واكتشاف المجهول‬        ‫دون غيره مثل أينشتاين ونيوتن‬
    ‫به‪ .‬ما صنعه شحرور جعل‬              ‫منها‪ ،‬وأن المعجزة باقية ودائمة‬
 ‫القرآن كتا ًبا لكل العقائد‪ ،‬وكتا ًبا‬       ‫دوام البحث العلمي وتقدم‬             ‫في الخطاب العلمي‪ ،‬ومثل‬
  ‫لكل الناس‪ ،‬وكتا ًبا مقرو ًءا بكل‬         ‫المعرفة‪ .‬والإعجاز على هذا‬       ‫المتنبي وشيكسبير في الخطاب‬
    ‫اللغات لأنه صار كتا ًبا يضم‬         ‫النحو متسق مع قدرة شحرور‬          ‫الأدبي‪ ،‬وقد ورد هذان الخطابان‬
‫مباديء العلم‪ ،‬وحقائق الاجتماع‪،‬‬         ‫التمييزية بين ما هو طبيعي‪ ،‬وما‬
   ‫وحقائق التاريخ‪ .‬ولذلك اتجه‬            ‫هو إنساني في الكتاب المنزل‪.‬‬          ‫متداخلين في القرآن‪ .‬ولذلك‬
   ‫شحرور في كتابه هذا لكتابة‬            ‫فما هو طبيعي يتصل بالوجود‬            ‫كان العرب الأوائل أنبغ الأمم‬
     ‫نظرية المعرفة القائمة على‬               ‫وحقائقه‪ ،‬وما هو إنساني‬       ‫في الخطاب الشعري والخطابي‪،‬‬
   ‫جدل الإنسان وجدل الطبيعة‪،‬‬                ‫يتصل بالتاريخ والإنسان‪.‬‬        ‫ومثلوا بنبوغهم مرحلة تاريخية‬
   ‫وعلى أساسها راح يكتب عن‬                  ‫واتصال التاريخ بالإنسان‬           ‫وقع فيها التحدي بأن يأتوا‬
 ‫نظرية اللغة وتطورها‪ ،‬بناء على‬           ‫وبالوجود يحدد عند شحرور‬          ‫بسورة من مثل القرآن فلم يأتوا‬
   ‫تصنيفه لموضوعات القرآن‪،‬‬              ‫مبدأ الصيرورة والتحول اللذين‬
                                         ‫يعدان الأساس الأكبر للحنيفية‬         ‫لعجزهم‪ .‬ومن ثم صار هذا‬
          ‫وموضوعات الكتاب‪.‬‬               ‫والفطرة‪ .‬فالفطرة هي التوافق‬        ‫الوجه من الإعجاز قائ ًما ودا ًّل‬
‫ولكن شحرور كان حري ًصا على‬               ‫الصحيح مع الحاجات الحسية‬
 ‫أن يناقش مسألة طبيعة القرآن‬           ‫والاجتماعية والعاطفية للإنسان‪،‬‬         ‫على مرحلة تاريخية‪ ،‬ولكنه‬
‫أعربي هو أم ُجعل عربيًّا؟ القرآن‬             ‫مطلق الإنسان‪ .‬والحنيفية‬      ‫ليس الوجه الأوحد والأخير‪ .‬ولا‬
                                       ‫مفهوم تاريخي واجتماعي يعني‬
    ‫في رأي شحرور هو كلمات‬               ‫الاستجابة للتغير والتطور م ًعا‪.‬‬     ‫ينبغي الوقوف عند هذا الوجه‬
 ‫الله التامات في اللوح المحفوظ‪،‬‬                                           ‫التاريخي لأنه قد يفيد أن القرآن‬
   179   180   181   182   183   184   185   186   187   188   189