Page 183 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 183

‫‪181‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

                    ‫الوجود‪.‬‬        ‫لبعض ظهيرا» (الإسراء‪.)88 :‬‬            ‫لأن المعجزة تقع خارجها‬
 ‫ولذلك يؤكد شحرور أن القرآن‬             ‫فما براهين هذا الإعجاز؟‬        ‫وليست متضمنة فيها‪ .‬وهذا‬
‫اختلف بوصفه معجزة عن غيره‬                                             ‫ما حدث لكل الأنبياء والرسل‬
                                  ‫يرى شحرور أن هناك حقيقتين‬        ‫الذين أتوا للناس قبل محمد عليه‬
              ‫من عدة جهات‪:‬‬          ‫تقعان خارج الوعي الإنساني‬       ‫الصلاة والسلام‪ .‬لم تكن كتبهم‬
‫أولها‪ :‬أن المعجزة عند كل الأمم‬          ‫هما الله ثم الوجود‪ ،‬وأن‬       ‫معجزة في ذاتها مثل القرآن‪،‬‬
                                      ‫وجودهما أسبق من وجود‬              ‫وجاءت معجزتهم استجابة‬
   ‫قبل محمد هي تقدم أو سبق‬          ‫الإنسان على الأرض‪ .‬وبداهة‬         ‫لظرف التصديق‪ .‬وحين حذر‬
   ‫في عالم المحسوس (ظاهرة‬          ‫لا يقر شحرور بوجود الوجود‬          ‫الله الناس في الكتاب المنزل‬
    ‫طبيعية) على عالم المعقول‬       ‫مثل وجود الله‪ ،‬ولكنه يعني أن‬     ‫وقت البعثة من أن يفعلوا مثلما‬
 ‫السائد وقت المعجزة‪ ،‬مثل شق‬        ‫الله خلق الوجود قبل أن يخلق‬        ‫فعلت الأمم السابقة‪ ،‬إنما كان‬
   ‫البحر‪ ،‬ولكنها ليست خرو ًجا‬          ‫الإنسان الذي أتى لإعماره‬    ‫يبين لهم سوء العاقبة «فويل لهم‬
‫على قوانين الطبيعة أو خر ًقا لها‬    ‫وتحقيق سنة الله فيه‪ .‬ومادام‬     ‫مما كتبت أيديهم وويل لهم مما‬
 ‫«وما كان لرسول أن يأتي بآية‬                                       ‫يكسبون»‪ ،‬وإذا كان التحذير من‬
    ‫إلا بإذن الله»‪( .‬الرعد‪)38 :‬‬    ‫الأمر هكذا‪ ،‬فإن معرفة الوجود‬     ‫التزيد في الكتاب مرهو ًنا بسوء‬
    ‫وثانيها‪ :‬أن نبوة محمد التي‬    ‫أخذت طابع التطور على نحو ما‬         ‫العاقبة‪ ،‬فإن التحدي مرهون‬
    ‫هي القرآن والسبع المثاني‪،‬‬     ‫أخذت معرفة الله‪ .‬فالوجود دال‬        ‫بالعجز عن الفعل من البداية‪.‬‬
                                                                     ‫ومن ثم فإن التحذير وهو أقل‬
       ‫فيها الطرح المعقول عن‬         ‫على خالقه لكونه كلمات الله‪،‬‬    ‫من التحدي باق بقاء العجز عن‬
 ‫المدرك من المحسوس بصياغة‬         ‫والإنسان في بداية وعيه لم يكن‬
                                                                                       ‫التحدي‪.‬‬
   ‫متشابهة‪ .‬فكلما تقدم الزمن‪،‬‬       ‫قاد ًرا على إدراك الوجود‪ ،‬ولا‬        ‫وإذا كانت نبوات الأنبياء‬
  ‫تدخل طروحات القرآن ضمن‬          ‫إدراك الحقيقة المطلقة وهي الله‪،‬‬   ‫السابقين أيدتها المعجزات‪ ،‬فإن‬
   ‫المحسوسات المدركة‪ .‬وهذا‬                                         ‫هذه المعجزات كانت وقتية‪ ،‬وفي‬
 ‫ما يسمى بالتأويل المباشر أي‬        ‫لأنه عندما وجد على الأرض‪،‬‬       ‫حدود من شهدوها‪ ،‬وتصديقها‬
 ‫مطابقة المدرك من المحسوس‬          ‫كما يرى شحرور‪ ،‬كان بهيميًّا‬        ‫فيما بعد معتمد على السماع‬
   ‫مع النص «سنريهم آياتنا في‬        ‫ثم تأنسن‪ .‬وفي بداية الأنسنة‬      ‫أي النقل والتواتر‪ .‬أما القرآن‪،‬‬
 ‫الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين‬                                             ‫فيحمل بين طياته براهين‬
‫لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه‬        ‫كان بدائيًّا وعجز عن عقلنة‬   ‫إعجازه التي هي براهين تصديق‬
 ‫على كل شيء شهيد»‪( .‬فصلت‪:‬‬           ‫عالم الموجودات‪ ،‬ولم يستطع‬          ‫النبوة أي ًضا‪ .‬ويظل الإعجاز‬
 ‫‪ )53‬و»لكل نبأ مستقر وسوف‬                                               ‫قائ ًما في كل زمن‪ ،‬والبحث‬
  ‫تعلمون»‪( .‬الأنعام‪ )67 :‬و»بل‬          ‫أن يفسر وجودها تفسي ًرا‬        ‫عن وجوهه مطلب كل عصر‪.‬‬
‫كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما‬        ‫عقليًّا فعبد مظاهر الطبيعة‪،‬‬    ‫ويستدل شحرور بآيات كثيرة‬
   ‫يأتهم تأويله»‪( .‬يونس‪)39 :‬‬        ‫ودخل في عبادة الأوثان‪ .‬هذه‬     ‫على التحدي‪ ،‬وجماعها هذه الآية‬
                                  ‫المراحل من تطور الإنسان على‬       ‫«قل لئن اجتمعت الإنس والجن‬
     ‫ثالثا‪ :‬حوى القرآن الحقيقة‬    ‫الأرض‪ ،‬استتبعت توالي الرسل‬         ‫على أن يأتوا بمثل هذا القرآن‬
    ‫المطلقة للوجود بحيث تفهم‬      ‫والرسالات والتأييد بالمعجزات‬     ‫لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم‬
  ‫فه ًما نسبيًّا حسب معارف كل‬     ‫الحسية‪ ،‬حتى جاء القرآن خاتم‬
  ‫عصر‪ .‬فالمطلق عبر عنه ماد ًّيا‬       ‫كتب الله عبر سلسلة طويلة‬
    ‫في الصيغة اللغوية المحدثة‬         ‫من النبوات والرسالات إلى‬
  ‫(الذكر)‪« :‬إنا نحن نزلنا الذكر‬      ‫الأرض‪ ،‬وجاء تصدي ًقا لنبوة‬
                                    ‫خالدة وباقية هي نبوة محمد‪.‬‬
                                    ‫وقد تضمن هذا القرآن حقائق‬
   178   179   180   181   182   183   184   185   186   187   188