Page 179 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 179

‫‪177‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫القديمة التي لا تبديل لها‪ ،‬وسمي‬      ‫والسيطرة على ما هو بين يديه‬          ‫بما يضم من موضوعات هو‬
  ‫مجي ًدا لأن له السيطرة الكاملة‬   ‫يمثل مفهوم القضاء عند شحرور‪.‬‬           ‫كتاب «القضاء»‪ ،‬بما يعني أن‬
                         ‫له‪.‬‬                                           ‫شحرور يؤسس مفهو ًما للقضاء‬
     ‫‪ -‬القانون الخاص الجزئي‬           ‫فالقضاء هو تصريف الإنسان‬          ‫غير المفهوم السائد منذ القرن‬
     ‫في أحداث الطبيعة الجزئية‬           ‫فيما يعلمه وتوجيهه حسبما‬         ‫الأول للهجرة حتى الآن‪ .‬وهذا‬
    ‫وظواهرها‪ ،‬وأفعال الإنسان‬             ‫يريد أو تمليه عليه أخلاقه‪.‬‬       ‫المفهوم خلاصته أن القضاء‬
      ‫بعد وقوعها‪ ،‬وسماها الله‬                                             ‫هو تصرف الإنسان فيما هو‬
  ‫«إما ًما مبينًا» وهو ‪-‬أي الإمام‬     ‫فالقضاء هو مقدار ما هو متاح‬         ‫موجود بقدر ما يتوفر له من‬
 ‫المبين‪ -‬مناط التصرف والدعاء‬          ‫من حرية الإنسان المبنية على‬         ‫علم ومعرفة‪ ،‬وسوف نوضح‬
                                   ‫العلم والمعرفة‪ .‬فلا حرية لإنسان‬        ‫هذا المفهوم عند الحديث عن‬
‫والمعرفة‪ ،‬ولكنه لا يلغي القانون‬     ‫جاهل أو ناقص الوعي أو فاقده‪.‬‬        ‫النبوة والقرآن‪ .‬والكتاب الثاني‬
    ‫العام‪ ،‬بل يعمل ضمنه‪ ،‬وهو‬        ‫فالإنسان مسئول عن أفعاله التي‬      ‫هو قوانين الكون وحياة الإنسان‬
                                    ‫هي تعبير عن حريته‪ ،‬بقدر علمه‬        ‫مثل كتاب الموت‪ ،‬وخلق الكون‪،‬‬
 ‫كلام الله المحدث‪ ،‬وينطبق عليه‬        ‫وفهمه‪ ،‬وبقدر رفع القهر عنه‪.‬‬      ‫والتطور والساعة والبعث‪ .‬وهذه‬
  ‫قوله سبحانه «إذا قضى أم ًرا‪،‬‬       ‫هذا الفهم الواسع لطبيعة الكتاب‬
     ‫فإنما يقول له كن فيكون»‪،‬‬                                               ‫الكتب مفروضة حت ًما على‬
 ‫وفيه إرادة الله الظرفية‪ .‬وهذان‬          ‫ووظيفته في الحياة‪ ،‬يتصل‬          ‫الإنسان‪ ،‬إذ لا خيار له فيها‪،‬‬
  ‫الجزآن يحملان طابع الوجود‬        ‫اتصا ًل عضو ًّيا بالقرآن‪ .‬فلا يكفي‬     ‫ويطلق على هذا الكتاب كتاب‬
                                   ‫القول إن الكتاب أشمل من القرآن‬
‫الموضوعي‪ .‬وسمي القرآن قرآ ًنا‬                                                                ‫القدر‪.‬‬
 ‫لأنه قرن القانون العام للوجود‬         ‫وأن العلاقة بينهما تتمثل في‬      ‫ولعلنا نلاحظ أن هذين الكتابين‬
  ‫مع القانون الخاص‪ ،‬ومع خط‬           ‫وحدة المصدر وهو الوحي‪ ،‬لأن‬        ‫الكبيرين بهما تفصيلات واسعة‬
   ‫تطور سير التاريخ الإنساني‪.‬‬
      ‫وهكذا نفهم أن القرآن هو‬          ‫هذا الوحي هو الوحي الخاتم‪،‬‬         ‫تضم كل ما يتصل بالإنسان‬
  ‫الجانب الموضوعي في الكتاب‬            ‫وقد جاء للإنسان ليمثل آخر‬         ‫منذ خلقه حتى بعثه وحسابه‪،‬‬
     ‫الحق‪ .‬وتقع أحداث التاريخ‬        ‫الرسالات المكتوبة على الورق‪،‬‬         ‫وتقع هذه التفاصيل في كتب‬
  ‫ضمن القانون الخاص المتغير‬        ‫والمحفوظة في الصدور‪ ،‬بما يعني‬
  ‫تحت اسم «أحسن القصص»‪.‬‬            ‫ضرورة التدبر والفهم والاستنتاج‬          ‫لا حصر لها‪ ،‬وكلما ازدادت‬
     ‫وإذا كان القرآن هو الآيات‬        ‫والاستنباط حسب ما هو متاح‬         ‫المعرفة وتطور البحث العلمي‪،‬‬
    ‫المتشابهات‪ ،‬وهو في الوقت‬          ‫من درجات العلم والمعرفة في‬
   ‫نفسه‪ ،‬نبوة محمد (ص) لأنه‬          ‫كل زمن‪ .‬لذلك يرى شحرور أن‬            ‫ازدادت الكتب التي كانت من‬
   ‫«إنباء عن حقائق»‪ ،‬فما صلته‬         ‫الرسالة وقد ضمت كل الكتاب‬         ‫قبل في عداد المجهول‪ .‬وتتصل‬
   ‫بالكتاب غير أنهما من مصدر‬          ‫المحكم من «أم الكتاب»‪ ،‬جاءت‬      ‫بقية التفاصيل بالكون والطبيعة‬
   ‫واحد؟ قدمنا في هذا الحديث‬         ‫لكل الناس وقد سلموا بها لذلك‬
    ‫أن الصلة بين هذه المفاهيم‪:‬‬       ‫هم مسلمون وإن لم يعلموا‪ .‬أما‬           ‫وما فيها من حيوان ونبات‬
  ‫الترتيل‪ .‬الكتاب‪ ،‬القرآن‪ .‬الذكر‪،‬‬   ‫القرآن فهو الكتاب المتشابه وهو‬       ‫وبحار وجبال وأحياء وجوامد‬
  ‫صلة عضوية‪ ،‬بمعنى أنها كلية‬         ‫أساس النبوة التي يؤمن بها من‬        ‫وغير ذلك‪ ،‬وهي أي ًضا كتب لا‬
    ‫من حيث طبيعتها ومن حيث‬         ‫يؤمن‪ ،‬وينكرها من ينكر‪ .‬ويتألف‬         ‫حصر لها لاتصالها بالمجهول‬
‫وظيفتها أي ًضا‪ .‬فموضوع الكتاب‬
                                            ‫من مصدرين رئيسين‪:‬‬               ‫وقدرة البحث العلمي على‬
                                    ‫‪ -‬القانون العام «قرآن مجيد في‬         ‫كشف كنهه والسيطرة عليه‪.‬‬
                                                                         ‫إن سعي الإنسان في الكشف‬
                                      ‫لوح محفوظ»‪ ،‬وهو كلمات الله‬          ‫عن المجهول من هذه الكتب‪،‬‬
   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183   184