Page 174 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 174

‫العـدد ‪21‬‬                                 ‫‪172‬‬

                                   ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬                          ‫يحتوي على الأخلاق ولا على‬
                                                                        ‫التقوى‪ ،‬ولا تنطبق عليه عبارة‬
  ‫من جهة‪ ،‬والوجود والنص من‬         ‫أساس مبدأي التمييز والتصنيف‬           ‫(هكذا أجمع الفقهاء) و(هكذا‬
     ‫جهة أخرى‪ .‬وفي إطار هذه‬           ‫اللذين يمثلان القاعدة الثالثة‪،‬‬    ‫قال الجمهور)‪ .‬إننا في القرآن‬
                                     ‫أما القاعدة النصية والتناصية‪،‬‬       ‫غير مقيدين بما قاله السلف‪،‬‬
‫الحركة الدائبة يقع التاريخ الذي‬       ‫فيتصلان بما نسميه مواضع‬            ‫ومقيدون فقط بقواعد البحث‬
 ‫تتحقق من خلاله نسبية التأويل‬                                            ‫العلمي والتفكير الموضوعي‪،‬‬
                                   ‫الفصل والوصل في نظرية النظم‬         ‫وبالأرضية العلمية في عصرنا‪،‬‬
    ‫تب ًعا لنسبية المعرفة‪ .‬ويمكن‬     ‫التي أغرم شحرور بصاحبها‪،‬‬            ‫لأن القرآن حقيقة موضوعية‬
   ‫لنا أن نقول إن دوائر التأويل‬      ‫وبتكامل النصوص في القرآن‬
 ‫عند شحرور هي الواقع‪ .‬النص‪.‬‬             ‫كله‪ .‬ويشفع شحرور هذه‬              ‫خارج الوعي‪ .‬فهمناها أو لم‬
    ‫المفسر‪ .‬وأما دائرة المؤلف‬                                                             ‫نفهمها»‪.‬‬
   ‫فهي حاضرة بقوة في النص‬          ‫القواعد كلها بقاعدة منطقية وهي‬
    ‫والوجود م ًعا‪ .‬ولأن التأويل‬       ‫رفض التقابل والتناقض بين‬          ‫وقواعد التأويل التي وضعها‬
  ‫كما مارسه شحرور له أساس‬                                              ‫شحرور‪-‬قاعدة لغوية‪ ،‬وقاعدة‬
   ‫تمييزي وتصنيفي‪ ،‬فإن الدال‬       ‫موضوعات الكتاب أو بين آياته‪،‬‬
‫اللغوي «رتل» هو الذي يمثل هذا‬          ‫ويسمي هذه القاعدة «قاعدة‬            ‫معرفية‪ ،‬وقاعدة تصنيفية‪،‬‬
                                                                      ‫وقاعدة نصية‪ ،‬وأخرى تناصية‪-‬‬
                    ‫الأساس‪.‬‬          ‫تقاطع المعلومات»‪ ،‬لإيمانه أن‬
    ‫بدأ شحرور بالنص القرآني‬           ‫القرآن لا يتناقض مع العقل‪،‬‬         ‫لم يراع في وضعها الترتيب‪.‬‬
 ‫الواقع في صدر سورة المزمل‬         ‫ولا مع العلم‪ ،‬ولا يناقض بعضه‬        ‫فالقاعدة التصنيفية التي أقامها‬
  ‫«يا أيها المزمل(‪ )1‬قم الليل إلا‬                                       ‫على أساس لغوي مادة «رتل»‬
   ‫قليلا(‪ )2‬نصفه أو انقص منه‬                            ‫بع ًضا‪.‬‬        ‫جاء ترتيبها الثالث بين القواعد‪.‬‬
‫قليلا(‪ )3‬أو زد عليه ورتل القرآن‬     ‫تستند هذه القواعد إلى أصول‬
     ‫ترتيلا(‪ )4‬إنا سنلقي عليك‬      ‫لغوية ومعرفية وعلمية ومنطقية‪.‬‬           ‫وهي القاعدة الأساس التي‬
 ‫قولا ثقيلا(‪ .»)5‬ورأى أن الدال‬                                            ‫نهض عليها تمييز وتصنيف‬
    ‫«رتل» جاء على صيغة الأمر‬              ‫وهي الأصول ذاتها التي‬        ‫كل موضوعات الكتاب والقرآن‬
  ‫وعلى الصيغة الصرفية «فعل»‬           ‫تعتمد عليها نظرية التأويل أو‬      ‫والرسالة والنبوة‪ .‬أما القاعدة‬
 ‫بتشديد العين‪ .‬وأن هذه الصيغة‬         ‫«الهرمنيوطيقا» التي اشتغلت‬       ‫المعرفية‪ ،‬فتتصل بالتفرقة التي‬
 ‫تتضمن دلاليًّا تفعيل الأمر على‬       ‫على تفسير النص بشكل عام‬              ‫أقامها شحرور بين مفهوم‬
   ‫نحو مؤكد لا على نحو عابر‪،‬‬                                              ‫«الإنزال» ومفهوم «التنزيل»‬
‫وأن هذا التفعيل يتضمن التكرار‬            ‫والنص الديني في البداية‬         ‫لتوضيح العلاقة بين الوجود‬
 ‫بما يعني دوام الفعل أو الحدث‬       ‫بشكل خاص‪ ،‬وحاولت الإجابة‬            ‫الموضوعي «التنزيل» والوعي‬
 ‫الناشيء عنه‪ .‬والأمر هو ترتيل‬         ‫عن الأسئلة التي طرحتها عن‬       ‫الإنساني بهذا الوجود «الإنزال»‪،‬‬
   ‫القرآن‪ ،‬والمأمور هو المزمل‬       ‫طبيعة النص‪ ،‬وعلاقته بتقاليده‬      ‫ولتأسيس نظرية المعرفة القائمة‬
  ‫في سياق قيام الليل‪ ،‬بما يعني‬      ‫وبتاريخه وركزت تركي ًزا كبي ًرا‬       ‫على الجدل بين الموضوعي‬
 ‫أن هذا السياق هو سياق التعبد‬                                          ‫والذاتي أو بين «جدل الطبيعة»‬
 ‫لي ًل بقراءة القرآن قراءة مجودة‬        ‫على علاقة المفسر بالنص‪.‬‬          ‫و»جدل الإنسان»‪ .‬أما القاعدة‬
‫ومؤثرة في المتلقي لكونها قراءة‬         ‫ونستطيع القول إن التأويل‬           ‫النصية فيقصد بها شحرور‬
    ‫جهرية وشفوية‪ ،‬سواء أكان‬           ‫الشحروري اعتمد على النص‬         ‫جميع الآيات التي تمثل موضو ًعا‬
    ‫هذا المتلقي فر ًدا أو جماعة‪.‬‬                                        ‫واح ًدا من حيث المحتوى على‬
                                         ‫أو ًل‪ ،‬وعلى مداخل تأويله‬
                                      ‫النصية‪ ،‬والمعرفية‪ .‬فهو يبدأ‬
                                   ‫بالنص ليصل إلى الوجود بمعناه‬
                                   ‫الطبيعي والاجتماعي‪ ،‬ويعود من‬
                                     ‫الوجود إلى النص على اعتبار‬
                                   ‫الجدل القائم بين المفسر والنص‬
   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178   179