Page 172 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 172

‫العـدد ‪21‬‬                                ‫‪170‬‬

                                 ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬                        ‫المعاصرة؟ لقد أسلفنا القول إن‬
                                                                    ‫شحرور استوعب الفكر اللغوي‬
   ‫منجزات علوم اللغة والفلسفة‬        ‫توضح العقل النقدي الكامن‬
      ‫وتحليل الخطاب‪ ،‬واقترن‬         ‫وراء كل ما كتبه شحرور في‬          ‫الذي يؤسس لاجتماعية اللغة‬
                                 ‫كتابه هذا وفي كل كتبه ولقاءاته‪.‬‬   ‫وتطورها من جهة‪ ،‬ويؤكد كونها‬
     ‫في نشأته بالكتب المقدسة‬      ‫كما توضح لماذا جعل شحرور‬
   ‫السماوية كالتوراة والإنجيل‪،‬‬     ‫العنوان الفرعي لكتابه «الكتاب‬      ‫نظا ًما غايته الإبلاغ والتأثير‪،‬‬
                                  ‫والقرآن» هو «قراءة معاصرة»‪،‬‬          ‫وأنها في تطورها نشأ بينها‬
      ‫وغير السماوية كالمانوية‬    ‫مع أن العنوان الرئيس يشير إلى‬        ‫وبين التفكير الإنساني تلازم‬
    ‫والزرادشتية‪ .‬ولكن المنهج‬       ‫ذلك‪ ،‬بل يؤكد غاية المعاصرة‬      ‫قوي من جهة أخرى‪ .‬وقد أفضى‬
   ‫الواحد كما هو معلوم يختلف‬       ‫بما يعني الاختلاف والمغايرة‪،‬‬     ‫به هذا الفهم إلى إنكار الترادف‬
 ‫تطبيقه من باحث إلى باحث من‬       ‫ويبلغ إلى مدى بعيد وهو نقض‬            ‫في اللغات عامة وفي اللغة‬
  ‫حيث طرق استخدامه‪ ،‬وأدوات‬          ‫المتعارف عليه‪ ،‬وبناء معرفة‬      ‫العربية على وجه أخص‪ .‬وبناء‬
    ‫التحليل‪ ،‬والمادة المطروحة‬      ‫مباينة وصادمة‪ .‬فالتأويل عند‬       ‫على ذلك بنى تأويله لمفردات‬
 ‫للبحث‪ ،‬ومهارات الباحث‪ .‬وهذا‬       ‫شحرور هو لب تفكيره‪ ،‬وغاية‬          ‫كانت في عداد البديهيات عند‬
‫ما يدعونا إلى القول‪ :‬إن التأويل‬    ‫نتائجه‪ ،‬ولولا مسعاه التأويلي‬     ‫غيره‪ ،‬أو قل لم يلتفت إليها أحد‬
    ‫بوصفه منه ًجا عند شحرور‬      ‫هذا ما كانت لكتاباته قيمة تذكر‪.‬‬       ‫ممن سبقوه في هذا المجال‬
‫اختلف عن التأويل عند الآخرين‬                                          ‫بمثل ما التفت هو إليها‪ .‬هذه‬
‫سواء المعتزلة أو المتصوفة‪ ،‬أو‬         ‫لذلك خص كتابه هذا بهذه‬        ‫المفردات هي‪ :‬رتل‪ .‬كتب‪ .‬قرن‪.‬‬
‫المعاصرين لشحرور ممن ذكرنا‬       ‫الفقرة‪ ،‬وهي في الحقيقة أس كل‬         ‫فكيف صارت هذه المفردات‬
                                                                   ‫الثلاثة مفردات مؤسسة لتأويله‬
                   ‫وغيرهم‪.‬‬         ‫أعماله‪ ،‬وكنت أتوقع أن يفتتح‬          ‫وهو لب قراءته المعاصرة‪،‬‬
‫ومدار الاختلاف هو المادة التي‬      ‫كتابه هذا بهذه الفقرة متوس ًعا‬   ‫وكيف انتهت به إلى نتائج تفرد‬
 ‫دار عليها التأويل عند شحرور‬     ‫فيها لأن كل ما تلاها مبني عليها‬     ‫بها وج َّرت عليه الويل والثبور‬
 ‫وهي الكتاب الكريم‪ ،‬والمصادر‬     ‫أو ناشيء منها‪ ،‬ومنته إليها‪ ،‬وقد‬
‫المعرفية التي اعتمد عليها‪ ،‬وهي‬    ‫احتوت على عدة قواعد تأويلية‬                   ‫وعظائم الأمور؟‬
                                                                     ‫عقد شحرور فقرة مطولة من‬
    ‫المصادر اللغوية والمصادر‬          ‫انطلق منها في كل قراءته‪.‬‬       ‫فقرات الفصل الرابع من الباب‬
    ‫العلمية الرياضية والفلسفية‬       ‫وقد يسأل سائل ويقول إن‬
   ‫ونظريات التطور‪ .‬لم ينشغل‬       ‫شحرور لم يكن أول من انتهج‬             ‫الأول تحت عنوان «قواعد‬
  ‫شحرور بنقد الفقهاء كما فعل‬         ‫التأويل لفهم الكتاب الكريم‪،‬‬    ‫التأويل» تكلم فيها عن التأويل‪،‬‬
     ‫غيره‪ ،‬ولم ينشغل بالتراث‬       ‫فقد سبقه أهل الاعتزال‪ ،‬وأهل‬
‫المكتوب حول القرآن كما انشغل‬         ‫التصوف في القديم‪ ،‬وسبقه‬          ‫وعن الآيات التي تحدثت عن‬
     ‫بالقرآن نفسه‪ .‬ولم ينشغل‬        ‫مفكرون عرب ومستشرقون‬             ‫التأويل‪ ،‬وعمن هم المؤولون‪،‬‬
    ‫بالتوجه الباطني في التأويل‬      ‫في زمننا هذا أمثال الجابري‪،‬‬     ‫وأخي ًرا عن قواعد التأويل‪ .‬وفي‬
    ‫عند المتصوفة‪ ،‬ولم ينشغل‬      ‫والطرابيشي‪ ،‬وجاك بيرك ونصر‬           ‫هذه الفقرة‪ ،‬لم يغير شحرور‬
  ‫بالمظهر المجازي للغة القرآن‬     ‫أبو زيد وغيرهم‪ .‬فماذا أضاف؟‬          ‫توجهه اللغوي ولا مصادره‬
 ‫كما فعل المعتزلة‪ ،‬منطلقين من‬      ‫وما مناطق اختلافه عن هؤلاء‬        ‫اللغوية التي اعتمد عليها‪ ،‬ولم‬
‫مبدأ التنزيه والتوحيد وغيره من‬
 ‫المباديء الخمسة التي اعتمدوا‬                   ‫قدي ًما وحديثًا؟‬       ‫يزل عند غرامه بالبحث عن‬
   ‫عليها في مواجهة خصومهم‪.‬‬               ‫الحق أن التأويل منهج‬       ‫الدلالات البعيدة وغير المألوفة‪.‬‬
 ‫كان انشغال شحرور الأكبر هو‬            ‫ليس حديثًا‪ ،‬وإن أفاد من‬
                                                                      ‫وهذه الفقرة فقرة مهمة لأنها‬
   167   168   169   170   171   172   173   174   175   176   177