Page 175 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 175

‫‪173‬‬          ‫الملف الثقـافي‬

‫نصر أبو زيد‬  ‫محمد عابد الجابرى‬    ‫جاك بيرو‬                                ‫ولكن اتصال الآيات ‪-‬وهو‬
                                                                          ‫اتصال نصي مترابط‪ -‬أفاد‬
‫والضعيف‪ ،‬وبناء المعرفة العلمية‬     ‫أخرى لهذا الدال اللغوي «رتل»‬         ‫أن ترتيل القرآن متصل أي ًضا‬
‫التي يبتغيها على أسس واضحة‬              ‫فإن هذا الصنيع يمارسه‬            ‫بالجملة الخبرية الطويلة «إنا‬
                                                                       ‫سنلقي عليك قولا ثقيلا»‪ .‬فهل‬
   ‫تقبل المناقشة من جديد‪ ،‬بما‬       ‫شحرور في كل تأويلاته وفي‬            ‫تظل دلالة الترتيل هي القراءة‬
‫يعني إنتاج النقيض في كل زمن‪.‬‬        ‫تأسيس المفاهيم المغايرة لما‬          ‫المجودة بما فيها من تزيين‬
                                  ‫هو سائد‪ .‬وإذا كان هذا من حقه‬          ‫وتحسين وكيف يكون ترتيل‬
     ‫فما الرابط الجامع بين هذه‬      ‫بوصفه عق ًل مشغو ًل بالأسئلة‬       ‫القرآن وق ًفا على العبادة وقيام‬
‫المفاهيم؟ وهل كان الأخذ بدلالة‬    ‫وبنقض المسلمات والبرهنة على‬        ‫الليل دون أن يكون دعوة للتأمل‬
‫التنظيم والتبويب تأسي ًسا لدلالة‬   ‫ما يؤسسه من مسلمات جديدة‬           ‫والتدبر بما يحقق قدرة المتلقي‬
 ‫الكتاب ودلالة العلم معا؟ أساس‬    ‫أي ًضا‪ ،‬فإنه لم يكتف بالبحث عن‬           ‫على اكتشاف موضوعاته‬
                                  ‫دلالات مختلفة ولكنه حرص كل‬         ‫وتداخلها مع ما هو ذاتي وما هو‬
     ‫المعرفة الإنسانية على حد‬      ‫الحرص على تدعيمها بالشواهد‬          ‫موضوعي‪ ،‬مما يستدعي العقل‬
 ‫مقولة شحرور نفسه‪ ،‬قائم على‬                                           ‫العلمي في كل زمن إلى تنسيق‬
 ‫مبدأ التقليم‪ ،‬وهو تمييز الأشياء‬      ‫النصية من القرآن أو اللغة‪،‬‬      ‫وتنظيم هذه الموضوعات؟ وهل‬
  ‫بعضها عن بعض‪ ،‬وهذا المبدأ‬           ‫وبالأسس الفكرية الفلسفية‬           ‫تتعدى هذه الدلالة إلى دلالة‬
‫يقابله المصطلح ‪Identification‬‬       ‫أي ًضا‪ .‬فدلالة التنظيم والتبويب‬      ‫أخرى كشفت عنها المصادر‬
                                    ‫أو التنسيق للدال «رتل» جعلها‬     ‫اللغوية التي يستند إليها شحرور‬
     ‫الذي يعني التمييز وتحديد‬        ‫أساس فهمه لدلالة «الكتاب»‪،‬‬       ‫دائ ًما؟ إن وصف القول بالثقيل‬
   ‫خصائص الأشياء‪ ،‬كما يعني‬        ‫واستثمر دلالات الكتاب استثما ًرا‬      ‫«لا يقصد به الثقل في التلفظ‬
 ‫تحديد الهويات‪ .‬وتمييز الأشياء‬    ‫عظي ًما في فهمه لدلالة «القرآن»‪،‬‬     ‫والنطق‪ ،‬بل وعورة فهم معنى‬
                                    ‫وأسس على هذا دلالة «الذكر»‬        ‫ما يشتمل عليه القرآن من علم»‬
      ‫بعضها عن بعض أساس‬           ‫ثم «الفرقان»‪ ،‬فكأننا أمام مشهد‬      ‫كما يرجح جعفر دك الباب‪ .‬وقد‬
     ‫لوضعها في علاقات قائمة‬         ‫تفكيكي أو تحليلي غايته الشك‬         ‫اختار شحرور الأخذ بالدلالة‬
  ‫على التشابه والاختلاف بحيث‬       ‫فيما هو سائد ونقض المتهافت‬        ‫غير المتواترة لفعل الترتيل وهي‬
   ‫تكون انتقا ًل من حالة الإفراد‬                                       ‫«التنسيق والتنظيم» اتسا ًقا مع‬
   ‫إلى حالة التركيب التي تحقق‬                                         ‫تفسير معنى القول الثقيل الذي‬
     ‫فاعلية العنصر الفرد حين‬                                         ‫يحتمل دلالة غير الدلالة القريبة‪،‬‬
                                                                       ‫وهي القراءة الحسنة المجودة‪.‬‬
                                                                       ‫وتنسيق القرآن وتنظيمه يعني‬
                                                                         ‫‪-‬كما وضحنا ساب ًقا‪ -‬تمييز‬
                                                                          ‫موضوعاته وتصنيفها على‬
                                                                        ‫هيئة كتب‪ ،‬كل كتاب يتضمن‬

                                                                                      ‫موضوعاته‪.‬‬
                                                                       ‫وإذا كانت الدلالة التي اختارها‬
                                                                      ‫شحرور واحدة من بين دلالات‬
   170   171   172   173   174   175   176   177   178   179   180