Page 176 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 176

‫العـدد ‪21‬‬                                ‫‪174‬‬

                                    ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬                         ‫يتفاعل مع غيره من العناصر‪.‬‬
                                                                         ‫وهذا هو التسطير كما سماه‬
 ‫وهذان المجالان يتسمان بصفة‬           ‫العضوية فيما بينها التي أدت‬        ‫شحرور الذي يقصد به ضم‬
 ‫التركيب والتعدد والشمول التي‬         ‫إلى مفهوم الكتاب‪ ،‬فإن الإطار‬      ‫الأشياء بعضها إلى بعض في‬
‫يتصف بها الكتاب أي ًضا‪ .‬ومادام‬       ‫الجامع للقرآن والذكر والفرقان‬       ‫نسق واحد ويقابله المصطلح‬
                                    ‫هو الكتاب‪ ،‬والإطار الجامع أي ًضا‬     ‫‪ .Classification‬فالمعرفة لا‬
    ‫الكتاب مفهو ًما محور ًّيا على‬                                        ‫تتحقق إلا عن طريق التحليل‬
  ‫هذا النحو من التعدد والشمول‬           ‫للرسالة والنبوة هو الكتاب‪.‬‬
                                         ‫ومن ثم فإن مفهوم «رتل»‬             ‫والتركيب أو التعرف على‬
      ‫والكلية‪ ،‬فإنه يزداد يقينية‬      ‫أسس مفهوم الكتاب‪ ،‬ومفهوم‬              ‫العناصر الأولية التي هي‬
  ‫بارتداده إلى مصدره وهو الله‬        ‫الكتاب ضم بعد ذلك المؤتلفات‬             ‫أساس البنية الكلية‪ .‬وقد‬
                                    ‫والمختلفات مما جاء في القرآن‪،‬‬      ‫اهتدى شحرور لهذين المبدأين‬
    ‫الذي جعل هذا الكتاب متا ًحا‬       ‫ومما جاء من الذكر ومما جاء‬        ‫الرئيسين من مباديء المعرفة‬
    ‫لخلقه عبر الوحي‪ .‬ولا يمكن‬        ‫من الرسالة ومن النبوة‪ .‬وصار‬        ‫بعد إعمال «التأويل» في صدر‬
     ‫لهذا الكتاب أن يكون معب ًرا‬     ‫الكتاب بذلك مجا ًل لقراءة العلم‬  ‫آيات سورة «القلم»‪« :‬نون والقلم‬
    ‫عن مصدره ودا ًّل عليه وهو‬            ‫المسطور‪ ،‬ودا ًّل على العلم‬
  ‫يتسم بالزيادة أو النقصان في‬         ‫المنظور‪ .‬وبذلك صار التأويل‬                    ‫وما يسطرون»‪.‬‬
 ‫مفرداته‪ ،‬أو جمله‪ ،‬أو نصوصه‬           ‫قراءة في المسطور من الكتاب‬          ‫هنا تتضح العلاقة العضوية‬
  ‫التي تمثل آياته وسوره‪ ،‬وبما‬             ‫على هدي من سنن العلم‬         ‫‪-‬بوصفها الرابط الجامع‪ -‬بين‬
   ‫أنه خاتم كتب السماء‪ ،‬ونبوة‬          ‫ومتطلبات الواقع الاجتماعي‪،‬‬       ‫هذه المفاهيم اللغوية والفكرية‬
 ‫محمد خاتمة النبوات‪ ،‬فلا بد أن‬           ‫وهي قراءة نسبية مرهونة‬            ‫في تأسيس دلالات الكتاب‬
  ‫يكون كام ًل‪ ،‬وتا ًّما‪ .‬وكتاب هذا‬  ‫بحدود القاعدة المعرفية المتاحة‬      ‫وغيرها من الدلالات‪ .‬فالكتاب‬
   ‫شأنه‪ ،‬لا يجوز القول بأن في‬           ‫في زمنها‪ ،‬ومرهونة بمقدار‬         ‫هو أحد مصادر تدوين العلم‪،‬‬
‫نسقه اللغوي تراد ًفا لأن الترادف‬     ‫نصيب المؤول من هذه المعرفة‬        ‫وهو مظهر من مظاهر التأليف‪،‬‬
‫في قول البشر دلالة على اتساع‬              ‫وقواعدها‪ ،‬في ضوء هذه‬            ‫ولا يمكن أن تتحقق له هذه‬
‫مجال الاختيار بين أكثر من دال‬         ‫النسبية‪ ،‬يتاح لأكثر من مؤول‬       ‫الوظائف إلا إذا كان مبنيًّا على‬
  ‫للدلالة على مدلول واحد‪ ،‬وإن‬       ‫في الزمن الواحد أن ينتج قراءته‬    ‫التمييز‪ -‬تمييز هويات المكونات‪،‬‬
 ‫كان هذا جائ ًزا في عالم البشر‪،‬‬       ‫الخاصة في حدود ثبات النص‬           ‫وعلى التصنيف على نحو ما‬
 ‫فليس مقبو ًل ولا جائ ًزا في حق‬
    ‫الله الذي لا يعجزه ما يعجز‬                  ‫وحركية المعرفة‪.‬‬             ‫أسلفنا‪ .‬ولكونه كذلك‪ ،‬فلا‬
    ‫البشر في الإنشاء والتعبير‪.‬‬                                          ‫يستغنى عن التنسيق والتنظيم‬
  ‫فالله أنزل القرآن لا زيادة فيه‬               ‫‪-5-‬‬                    ‫والتبويب‪ ،‬وهذه العمليات الثلاثة‬
  ‫ولا نقص‪ ،‬وأودع في صياغته‬           ‫وعاء الكتاب وعاء القرآن‬            ‫هي نواتج مفهوم «رتل» الذي‬
  ‫مظاهر قدرته التي أعجزت كل‬
   ‫البشر فامتاز بالدقة والكمال‬         ‫فالكتاب إذن أساس محوري‬             ‫بنى عليه شحرور تأويلاته‬
 ‫والتمام‪ .‬لذلك نفى شحرور نفيًا‬        ‫لما بعده‪ ،‬وهو القرآن‪ ،‬والذكر‪،‬‬       ‫واستنتاجاته فيما بعد حين‬
  ‫قاط ًعا أن يكون في لغة القرآن‬                                         ‫تحدث عن القرآن‪ ،‬وعن الذكر‪،‬‬
                                         ‫والفرقان‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وهو‬
       ‫ترادف أو حروف زائدة‪.‬‬         ‫مركب معرفي مكون من عناصر‬                         ‫وعن الفرقان‪.‬‬
      ‫وبما أن الكتاب دال على‬         ‫عديدة ذات موضوعات متباينة‬           ‫فكما كان الإطار الجامع على‬
  ‫العلم المنظور من جهة والعلم‬                                            ‫مستوى المفاهيم هو العلاقة‬
 ‫المسطور من جهة أخرى‪ ،‬وبما‬              ‫تباينًا كبي ًرا ومع ذلك يمكن‬
                                       ‫تصنيفها في مجالين كبيرين‬
                                      ‫هما «الطبيعيات والإنسانيات»‪.‬‬
   171   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181