Page 169 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 169

‫‪167‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫النظرية‪ :‬الله‪ .‬الكون‪ .‬الإنسان‪ .‬يستمر ويتفاعل مع وقتنا الراهن‬       ‫مثل الفلسفة الماركسية بشقيها‬
                                                                     ‫المادي والتاريخي‪ .‬فهل كان‬
‫ووسيلة شحرور إلى غايته واحتياجاته النفسية والاجتماعية‬                  ‫شحرور يكتب فق ًها جدي ًدا‬
‫والثقافية‪ .‬ويعتقد شحرور أن‬                                           ‫تطلبته حياتنا المعاصرة ولم‬
                                ‫هي نقد الواقع الماثل وفقه‬
‫متطلباته ليحقق الوعي بالتاريخ التراث لا خيار لنا فيه لأنه من‬        ‫تف به كل كتب الفقه المعروفة‬
‫إنجاز غيرنا عبر فترات تاريخية‬                                         ‫والمتداولة بين أيدي الناس‪،‬‬
                                ‫من جانب‪ ،‬والمعاصرة من‬
‫جانب آخر‪ ،‬ولعل هذا ما دعاه سابقة‪ ،‬وكل خياراتنا المتاحة‬              ‫أم أن غايته كانت أكبر من ذلك‬
‫إلى تصديق القول «إننا بحاجة هي الانتقاء الذي يلبي حاجاتنا‬            ‫وهي اكتشاف مفاهيم جديدة‬
‫إلى فقه جديد معاصر»‪ ،‬وأن الاجتماعية من جهة والنفسية‬                 ‫في القرآن وقواعد نظرية غير‬
‫هذه الغاية لن تتحقق إلا بإيجاد والثقافية من جهة أخري‪ .‬فما‬          ‫مألوفة نبني عليها رؤية جديدة‬
‫البديل للفقه الموروث‪ ،‬ثم يقول يمتد من الماضي إلي الحاضر‬           ‫للتاريخ والإنسان والقيم في هذا‬
‫«ولم نستطع القيام بهذا العمل ليصنع المستقبل هو المشترك‬             ‫العصر الذي نعيشه‪ ..‬وقد تميز‬
 ‫الإنساني أو «المتصل القومي»‬                                      ‫بالتدفق المعري وانفتاح الحدود‬
‫–فيما أرى‪ -‬الذي يؤسس لتراث‬         ‫إلا بعد صياغة نظرية أصيلة‬       ‫الثقافية بين الأمم انفتا ًحا يهدد‬
‫جديد مختلف عما سبقه بدرجات‬         ‫في المعرفة الإنسانية «جدل‬
 ‫أكبر ومتفق معه بدرجات وهذه‬         ‫الإنسان» منطلقة من القرآن‬                ‫الحدود الجغرافية؟‬
                                                                   ‫لا أعتقد أن غاية شحرور كانت‬
        ‫هي الإضافة الحقيقية‪.‬‬                        ‫الكريم»‪.‬‬      ‫غاية قريبة وهي استنباط أحكام‬
   ‫فالتراث إرث مادي وفكري‪،‬‬          ‫ولكي يحقق جذرية النظرية‬
  ‫والمعاصرة اختيار وانتقاء من‬       ‫المعرفية بطرفيها التاريخي‬        ‫فقهية جديدة لمسائل لم تكن‬
 ‫التراث تحكمه متطلبات جديدة‪.‬‬      ‫والمعاصر‪ ،‬كان عليه أن يحدد‬      ‫معروفة لدى الفقهاء التاريخيين‪.‬‬
  ‫والعلاقة بينهما علاقة تواصل‬   ‫المفاهيم التي تعتمد عليها قراءته‬    ‫ولو كانت هذه غايته لما احتاج‬
 ‫حلقات الزمن بمعناه الاجتماعي‬    ‫المعاصرة للكتاب والقرآن التي‬
     ‫والتاريخي‪ .‬فالماضي ليس‬       ‫تضم «جدل الإنسان» و»جدل‬            ‫أن يبذل كل ما بذله من وقت‬
   ‫لحظة فارغة‪ ،‬والحاضر ليس‬          ‫الطبيعة» أو نظرية المعرفة‪،‬‬      ‫وجهد في تأسيس منهج لغوي‬
                                                                  ‫وفكري مختلف ومضن لصاحبه‬
‫فرا ًغا أي ًضا‪ ،‬ولكنهما متصلان‬  ‫وهذه المفاهيم هي‪ :‬التراث‪.‬‬         ‫وللناس من بعده‪ .‬فغاية شحرور‬

‫بحكم احتياجات الإنسان‬           ‫المعاصرة‪ .‬الأصالة‪.‬‬                     ‫كانت غاية جذرية كما بيَّنَّا‬
                                                                     ‫وهي نقض المعرفة الموروثة‬
‫لم يفض شحرور في تناول وتطور درجة المعرفة‪ ،‬وتنامي‬                  ‫والمستنبطة من الكتاب المحوري‬
‫مفهوم التراث واكتفى بالقول الخبرات‪ .‬ولعل هذا هو الذي دعا‬          ‫‪-‬وهو القرآن الكريم‪ -‬تلبية لغاية‬
‫بأنه الموروث المادي والفكري شحرور إلى اختصار حديثه‬                  ‫النهوض من مقولات العصور‬
‫الذي صنعه البشر عبر مراحل عن مفهوم التراث لاتصاله‬                     ‫الوسطي إلى مقولات التقدم‬
‫التاريخ‪ .‬وانتقل إلى الحديث بلحظة زمنية مشتبكة معه هي‬                  ‫والتحرر والاستنارة والعلم‪،‬‬
‫عن المعاصرة بوصفها علاقة المعاصرة‪ ،‬ولكنه مع ذلك أكد‬                  ‫ومن ثم سعى إلى بناء نظرية‬
                                ‫تاريخية بالموروث المادي‬               ‫معرفية طرفاها الفكر العقلي‬
‫حرية الموقف من التراث حين‬                                            ‫على امتداد التاريخ الإنساني‬
‫والفكري تنطلق من لحظة آنية أقر مبدأ الاختيار‪ ،‬وأكد استقلال‬         ‫ومنه التاريخ العربي الإسلامي‪،‬‬
                                                                      ‫والطرف الثاني العلم والفكر‬
‫هي التي تحركنا صوب الماضي التراث بمعنى أنه من صنع غيرنا‬            ‫الفلسفي المعاصر‪ ،‬ومحور هذه‬

‫استجابة لضرورات وقتهم‪ ،‬وأكد‬     ‫وتفرض علينا اختياراتنا‬

‫المناسبة من هذا الموروث‪ .‬وما مساحة الاختلاف والاختيار في‬

‫يبقى من هذا الموروث هو الذي ضوء نسبية المعرفة وتطور‬
   164   165   166   167   168   169   170   171   172   173   174