Page 182 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 182

‫العـدد ‪21‬‬                                 ‫‪180‬‬

                                   ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬                               ‫الإعجاز بوصفها قضية‬
                                                                           ‫تاريخية‪ ،‬انقضى وجودها‬
    ‫ولذلك حين تناول شحرور‬            ‫المجال‪ ،‬طرح يتفق مع التطور‬         ‫بانقضاء الحاجة إليها؟ وكيف‬
 ‫هذه المسألة –مسألة الإعجاز‪-‬‬        ‫المعرفي‪ ،‬واختلاف المجتمعات‬            ‫نستعيدها من التاريخ الذي‬
‫تناولها على مستويين‪ :‬الأول هو‬       ‫واللغات والثقافات بحيث تخرج‬          ‫وقف بهذه القضية عند دائرة‬
  ‫التحذير‪ ،‬والثاني هو التحدي‪.‬‬                                             ‫اللغة والصياغة والتأثير؟ لم‬
                                        ‫قضية الإعجاز من محيطها‬        ‫يعد القول بحجية القرآن اعتما ًدا‬
     ‫أما الأول فيتصل بالرسالة‬           ‫اللغوي العربي‪ ،‬إلى محيط‬        ‫على كونه ن ًّصا متفر ًدا في بيانه‬
 ‫التي تتضمن التشريع والحدود‬          ‫علمي إنساني‪ ،‬تشترك فيه كل‬            ‫ونظمه‪ ،‬هو القول السائد أو‬
                                   ‫الأمم‪ ،‬وكل الثقافات بغض النظر‬        ‫الوحيد‪ .‬فالمسلمون لم يعودوا‬
   ‫والعبادات والسلوك وغيرها‪.‬‬          ‫عن إيمان المؤمنين‪ ،‬أو أنكار‬        ‫عر ًبا فقط‪ ،‬بل هم عرب وغير‬
 ‫ويحذر الله الناس من أن يكتبوا‬          ‫المنكرين‪ .‬فالكتاب والقرآن‬      ‫عرب ينتشرون في جميع أنحاء‬
                                   ‫كلاهما خطاب إنساني ووجودي‪،‬‬            ‫الأرض‪ .‬ولم تعد اللغة عندهم‬
   ‫الكتاب بأيديهم وينسبوه إلى‬        ‫ويمثلان خطاب السماء الباقي‬           ‫هي معيار التميز أو العلو أو‬
     ‫الله على نحو ما حدث من‬         ‫إلى كل أهل الأرض‪ ،‬على امتداد‬         ‫الإعجاز كما كانت عند العرب‬
                                       ‫التاريخ‪ ،‬واتساع الجغرافيا‪.‬‬          ‫في بيئتهم الأولى‪ ،‬وليسوا‬
  ‫أقوام موسى وعيسى‪ .‬وكتابة‬         ‫هذا الوعي الكلي بخطاب الإعجاز‬         ‫مجبرين على التسليم ببلاغة‬
     ‫الكتاب بأيدي الناس تعني‬       ‫وعي حاضر فيما كتبه شحرور‪،‬‬            ‫اللغة التي جاء بها القرآن‪ ،‬ولا‬
                                     ‫ومتسق مع منهجه الذي اتبعه‬         ‫على قبول العرب للقرآن اعتما ًدا‬
   ‫الزيادة أو النقص أو التزييف‬        ‫منذ البداية‪ .‬فهو حريص على‬           ‫على الذوق الفطري المدرب‪،‬‬
   ‫والابتداع ونسبة كل ذلك إلى‬         ‫تأكيد أن نصوص هذا الكتاب‬           ‫هذا فض ًل عن غير المسلمين‪.‬‬
  ‫الله‪ .‬فالله يحذر الناس من أمر‬       ‫المنزل ليست للعرب وحدهم‪،‬‬          ‫لذا فإن الحاجة إلى التفكير في‬
   ‫في مقدورهم أن يفعلوه وهم‬         ‫ولا للعجم دون غيرهم‪ ،‬وليست‬         ‫إعادة فهم الإعجاز أمست حاجة‬
  ‫غير عاجزين عنه‪ .‬والناس في‬        ‫وق ًفا على التعبد بها‪ ،‬ولا التماس‬     ‫الوقت الراهن‪ ،‬وكل وقت آت‪.‬‬
   ‫ذلك سواء منذ إرسال الرسل‬            ‫الهداية واليقين منها‪ ،‬ولكنها‬       ‫ونحن في أمس الحاجة إلى‬
                                       ‫كتاب مسطور يعادل الكتاب‬        ‫رؤية علمية تؤسس لفهم مسألة‬
    ‫إلى الآن‪ .‬ويستدل شحرور‬           ‫المنظور‪ ،‬ومن ثم فإن الحديث‬       ‫الإعجاز فه ًما يضعها على مائدة‬
    ‫بآيات منها هذه الآية «فويل‬         ‫عن حجية هذا الكتاب ليست‬        ‫العلم الإنساني‪ ،‬ولا يحصرها في‬
‫للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم‬       ‫حجية تاريخية فقط‪ ،‬أي ليست‬          ‫دائرة العرب أو المسلمين‪ ،‬ولا‬
‫يقولون هذا من عند الله ليشتروا‬     ‫مستمدة من تسليم العرب البلغاء‬
‫به ثمنًا قلي ًل فويل لهم مما كتبت‬     ‫بها‪ ،‬ولكن هذه الحجية قائمة‬             ‫في دائرة الإسلام فقط‪.‬‬
 ‫أيديهم وويل لهم مما يكسبون»‬           ‫في نصوص الكتاب المبارك‬         ‫لذلك‪ ،‬ولغيره آثرنا الوقوف على‬
                                     ‫بمعنى الثابت الذي تم واستقر‬        ‫رؤية شحرور لمسألة الإعجاز‬
               ‫(البقرة‪.)79 :‬‬          ‫على صورته التي بين أيدينا‪،‬‬
‫وأما الثاني وهو التحدي فيتصل‬       ‫وما على القراء إلا أن يفتشوا في‬        ‫بوصفها مسألة منهجية في‬
‫بالقرآن الذي جاء تصدي ًقا لنبوة‬     ‫هذه النصوص عن قراءة جديدة‬             ‫إطار رؤيته التأويلية للكتاب‬
                                      ‫انطلا ًقا من المعرفة السائدة‪،‬‬     ‫والقرآن‪ .‬وأعتقد أن هذا الطرح‬
   ‫النبي ويقع فيه التحدي الذي‬        ‫واستجابة لأسئلتهم التي تنشأ‬           ‫الذي قدمناه وغيره في هذا‬
    ‫يعني الإعجاز‪ .‬والمستويان‬
                                             ‫من وعيهم المختلف‪.‬‬
      ‫متلازمان من حيث النهي‬
   ‫والتحدي‪ .‬فالله سبحانه حين‬
   ‫يحذر الناس من التجرؤ على‬
  ‫كتبه بالابتداع فيها‪ ،‬يشير إلى‬
  ‫قدرتهم على ذلك بما يعني أن‬
    ‫الكتب التي وقع فيها التزيد‬
  ‫والابتداع لا يقع فيها الإعجاز‪،‬‬
   177   178   179   180   181   182   183   184   185   186   187