Page 189 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 189
اتخذ التأويل عند شحرور مسارات تبدأ تربوي للأجيال مبني على
من اللغة لتصل إلى العالم المادي الفرقان.
الطبيعي ،وإلى العالم الاجتماعي ،أو -أن تكفل الدولة للمسلمين
فلنقل إلى حقائق الوجود وحقائق وغيرهم ممارسة الحد الأدنى
الاجتماع ،ثم تنتهي إلى منهج يقبل من العبادات.
التطور في عالم الوجود ،والتغير في -مادام التشريع الإسلامي
تشري ًعا حنيفيًّا قائ ًما على بينات
عالم الاجتماع مادية وإجماع أكثرية الناس ،فإن
الدولة المسلمة دولة ديمقراطية
كما يقرأون كتبهم ويضعونه من فقه الحدود فيه .لذلك عاد تقوم بنيتها الأساسية على
في منزلة غير منزلة الإيمان شحرور إلى النص ،ولم يعد إلى التعددية الحزبية وحرية التعبير
والتسليم بما جاء فيه. تاريخ النص بما فيه من فرق عن الرأي.
فهل كان شحرور على غرار ومذاهب ونحل وملل ،وعقل
أسلافه ،أو على غرار خصومهم؟ وخرافة ،وغياب وشهود .فهل -9-
لقد سعى شحرور إلى الخروج كان شحرور نصيًّا مثل أسلافه؟ أين نضع شحرور؟
من عباءة الأسلاف ،كما رفض لقد كان أسلافه مؤمنين سل ًفا لم يكن شحرور مفس ًرا للقرآن،
موقف الخصوم .ومن ثم لم يكن ولا شار ًحا لمعانيه ،ولا متتب ًعا
متب ًعا لأحد من الأسلاف ،ولا بالقرآن ،ومسلمين بعلوية لغريبه ،ولا مشغو ًل بما شغل به
لأحد من الخصوم .لقد اختار مصدره ،وبقدسية خطابه، أسلافه مما اصطلح على تسميته
أن ينحي إيمانه بالقرآن جانبًا، وكان كل سعيهم البرهنة على بـ(علوم القرآن) .ولم يكن
وآثر أن يشك في المسلمات أو ما يؤمنون به والتدليل على ساعيًا إلى البرهنة على صدق
الأسس التي بنى عليها الأسلاف صدق خطابه وقدسيته ،وعلى القرآن بإثبات مطابقته للعلم أو
أن مصدره حق .وقد توسلوا سبقه لنظرياته وقوانينه ،ولم
قراءاتهم للقرآن سواء في باللغة وعلومها ،كما توسلوا تؤرقه سطوة الحضارة الغربية
التفسير ،أو استنباط الأحكام بعلوم عصرهم من المنطق وهيمنتها المادية والفكرية
وإنزالها على مجريات الواقع. والفلسفة حينما واجهوا خصو ًما على العالم ،ففتش في القرآن
وقد اختار هذا المسلك ليقينه أن لا يؤمنون بما يؤمنون به ،ولا عن أسانيد تفند سطوة هذه
ما انتهى إليه هؤلاء الأسلاف يصدقون ما تحدث به القرآن عن الحضارة وتهون من هيمنتها،
لم يعد يمثل المرتكز العلمي، نفسه .فقد كان هؤلاء الخصوم ولم يكن واع ًظا يبحث عن الحجة
أو المعرفي في زمننا هذا ،وان أبناء ثقافات أقدم وأوسع من المسكتة والمنطق البليغ ثم
هؤلاء الأسلاف حينما سعوا الثقافة العربية ،وأصحاب علوم
لقراءة هذا النص المقدس ،سعوا طبيعية ومنطقية ،وأصحاب ينفض يديه بعد ذلك.
إليه وهم مشغولون بمسائل لقد كان شحرور أحد أبناء هذه
أزمانهم في الولاية والخلافة خبرة في العلم ومسائله
ودروبه .فهم يقرأون القرآن الحضارة التي عرفت منذ أن
أتاها القرآن بأنها «حضارة
نصيَّة» ،أقامت وجودها على
أساس من الوعي بهذا النص،
وأقامت حدودها على أساس